تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، فمن شاء بقدرته الكونية النافذة هدايته: شرح صدره فاتسع ليقبل آثار الرسالات من العلميات والعمليات، ومن شاء بقدرته الكونية النافذة: ضلاله: ضيق صدره، فلم يقبل من تلك الآثار الطيبات ما تحصل به الغلبة على جيوش الهموم والشبهات والشهوات، فهو في قيدها أسير، قد استرق الهم والحزن همته، فهو ذريعة إلى القعود عن السير، واسترقت الشبهات قلبه فهو في أمر مريج، واسترقت الشهوات جوارحه فهي من كل خير معطلة.

فإذا نمت شجرة العلم والعمل الباطن، أثمرت على اللسان إقرارا، وعلى الجوارح أعمالا، فاستقام الباطن والظاهر على حد الرسالة الجامع المانع لأسباب السعادة في الدارين، فما فاز بمطلوب العقلاء من دفع الأتراح وجلب الأفراح إلا الموحدون أتباع الرسالات، فهي سبب كل نعمة دينية ودنيوية في الدار الأولى، وهي سبب النجاة في الدار الآخرة.

فإذا تقرر ذلك المعنى في قلب العبد: ظهر له فساد من زعم أن الهداية الحاصلة لصديق الأمة: أبي بكر، رضي الله عنه، من جنس الهداية الحاصلة لفرعون الأمة أبي جهل، فهما على ذات الحد فليس لله، عز وجل منة على الصديق، بل أعطاه ما أعطى فرعون، وذلك من نقض الحكمة الربانية بمكان، إذ سوى بين المفترقين، بل بين أعظم مفترقين!، فالحكمة تستوجب: التفريق بين المختلفات، والتسوية بين المتماثلات فذلك قياس شرعي عقلي مطرد، على حد قوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، فالحكمة تقتضي تقديم الفضل في مواضع، وتقديم العدل في مواضع، ولكل محل ما يلائمه، فإيصال الملائم إلى المحل القابل: هداية أو ضلالا، هو عين الحكمة الإلهية، وهو مئنة من كمال القدرة الربانية، فلا راد لفضله، ولا مانع من عدله، فإذا قضى لعبد بالنجاة فلا مهلك له، وإن قضى على عبد بالهلاك فلا منجي له، فلا: (ملْجَأَ ولا منجَى منك إلا إليك)، فنجاة الأديان والأبدان لا تكون إلا باللجوء إلى الرب الحافظ للأديان بأسباب الشرع، والحافظ للأبدان بأسباب الكون.

يقول ابن أبي العز رحمه الله:

"وهذا سؤال عن الحكمة التي أوجبت تقديم العدل على الفضل في بعض المحال، وهلا سوى بين العباد في الفضل؟ وهذا السؤال حاصله: لم يتفضل على هذا ولم يتفضل على الآخر؟ وقد تولى الله سبحانه الجواب عنه بقوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. ولما سأله اليهود والنصارى عن تخصيص هذه الأمة بأجرين وإعطائهم هم أجرا أجرا، «قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء». وليس في الحكمة إطلاع كل فرد من أفراد الناس على كمال حكمته في عطائه ومنعه، بل إذا كشف الله عن بصيرة العبد، حتى أبصر جزءا يسيرا من حكمته في خلقه، وأمره وثوابه وعقابه، وتخصيصه وحرمانه، وتأمل أحوال محال ذلك - استدل بما علمه على ما لم يعلمه". اهـ

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 09 - 2009, 07:59 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير