تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففيه استفهام إنكاري إبطالي بتقدير المعادل: أمن هو قانت آناء الليل خير أم الكافر الغافل؟، بقرينة ما ذيلت به الآية: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، فالاستفهام جار مجرى الإنكار الإبطالي، إذ لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم بداهة، فالتسوية بين المختلفين: محط إنكار كل ذي عقل صريح وقياس صحيح. فحذف المعادل لدلالة السياق عليه، وإن كان خلاف الأصل إذ حذف المتقدم لدلالة المتأخر عليه، والقياس: حذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه.

فلا يستوي من علم فعمل، من خشي الرحمن لصحة معلومه الإلهي بصفات جلاله، ومن أحبه وتقرب إليه لصحة معلومه بصفات جماله، فلا ينهض بناء الإيمان في القلب إلا على أساس من الرجاء والرغبة الحاملة على فعل الطاعات طمعا في متعلق أوصاف الجمال الإلهي من المغفرة والرحمة، والخوف والرهبة الحاملة على الكف عن الموبقات حذرا من متعلق أوصاف الجلال الإلهي من بطش وجبروت وأخذ شديد وعذاب أليم.

وذلك ما دل عليه قوله تعالى: يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ: فهو حذر من جلاله، عز وجل، فلا يقارف ما يستوجب مقته وغضبه فذلك باعث الكف عن المعاصي، وهو راج طامع في جماله، عز وجل، فلا يترك طاعة إلا أسهم فيها، فذلك باعث فعل الطاعات، فخوف ورجاء، خوف بلا يأس، ورجاء بلا أمن، فالأمن والإياس ينقلان عن الملة، على حد قول الطحاوي رحمه الله: "والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة"، فمن عبده بالرجاء والحب بلا خوف يبعث على المهابة التي تحجز النفس عن العصيان، فهو مغرور قد أمن صفات جلاله، ومن عبده بالرهبة والخوف بلا محبة تحمل النفس على الطاعة، إذ المحب لمن يحب مطيع، فهو يائس قانط، والإيمان وسط بين: إفراط الآمن وتفريط اليائس، فهو كمال مركب من: رغبة في أوصاف الجمال، ورهبة من أوصاف الجلال، فالكمال: جلال ورهبة تتعلق أول ما تتعلق بأفعال الرب عز وجل، ولذلك كانت معظم صفات الجلال صفات أفعال، و: جمال ورغبة تتعلق أول ما تتعلق بأوصاف الرب، جل وعلا، الذاتية، التي لا تنفك عن ذاته القدسية، ولذلك كانت معظم صفات ذاته: صفات جمال، إذ ذلك أليق بمقام الرب، جل وعلا، فإن الكريم إذا وعد بمقتضى جماله، فوعده واقع كائن لا محالة، فلا ينفك الوفاء عن الوعد كما لا تنفك أوصاف الذات عن الذات. وإذا أوعد بالعقاب جاز عليه الخلف فذلك على حد تعلق صفات الأفعال بمشيئته، فإذا شاء عافى فضلا وإذا شاء عذب عدلا.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: إنكار للتسوية بينهما، كما تقدم، من مناقضة ذلك لمقتضى حكمته، جل وعلا، بالمباينة بين المختلفات والتسوية بين المتماثلات.

إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ: فتلك غاية إيراد هذا السؤال في معرض الإنكار والإبطال.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 09 - 2009, 10:01 ص]ـ

ومن نصوص ليلة القدر:

قوله تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ):

فالتعظيم في: "أنزلنا" بورودها بصيغة الجمع مئنة من عظم المنزَل وشرفه فهما فرع عن عظم المنزِل وعلو شأنه.

والإنزال على ما حد الصرفيون في الفرق بينه وبين التنزيل: أمر جملي لا يقع إلا مرة واحدة فهو مصدر: "أنزل" المزيد بهمزة التعدية، فتعدى الفعل بها، إلى المنزَل، بخلاف التنزيل فإنه مصدر: "نزَّل" الرباعي المزيد بتضعيف عين: "نزَل" فهو مئنة من التكرار، فنزل مرة بعد مرة، نجوما متتالية، على ما تقرر في مواضع أخر في الكتاب العزيز من قبيل قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير