تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ): إما أن يجري مجرى التعليل للإنزال، فيكون من التذييل بالعلة عقيب معلولها، فحسن الفصل فلا عاطف لشبه كمال الاتصال بينهما، أو يقال بأنها استئنافية في معرض الرد على منكري رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ويقوي هذا الوجه الاكتفاء بوصف الإنذار مراعاة لحال المخاطبين آنذاك فجلهم من الكفار المعاندين فحالهم يقتضي الوعيد والترهيب لا الوعد والترغيب، وذلك جار على حد ما عرف به أهل العلم البلاغة بأنها مراعاة المتكلم لمقتضى حال المخاطَب فللمؤمن المقر خطاب، وللكافر المعاند خطاب، وللشاب اللاهي خطاب، وللشيخ الفاني خطاب، وللرجل خطاب، وللمرأة خطاب ......... إلخ.

ثم أطنب بذكر الأمر الكوني الذي يكون به المأمور: (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) على القول بأن الأمر في هذه الآية واحد الأوامر، والأمر في الآية السابقة: واحد الأمور، كما تقدم، فهو أمر قد ابتدأت غايته من عند الله، عز وجل، على حد النفاذ فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وذكر ضمير الجمع جار على ما تقدم من تعظيم الأمر بنسبته إلى الله، عز وجل، على حد الصدور، فعظم شأنه من عظم شأن الآمر به، والقول في: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ كالقول في: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فإنا كنا مرسلين استئنافا في معرض الرد على منكري الرسالة، أو علة صدور الأمر من الله، عز وجل، هي: إرساله الرسل بالرحمة، فقد صدر الأمر الكوني ببعث الرسل بالأمر الشرعي، فهو: الرحمة التي نكرت على حد التعظيم، فهي في هذا السياق محمولة على النبوة على حد قوله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)، و: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)، كما أشار إلى ذلك صاحب "أضواء البيان" رحمه الله، وقد تحمل على عموم جنس الرحمة، والنبوة من أفراده فالرحمة تعم كل الرحمات الكونية والشرعية ويرجح هذا الوجه سعة معناه ففيه من إثراء السياق ما ليس في حصر الرحمة في فرد واحد من أفرادها هو: رحمة النبوة الشرعية، ثم ذيل بوصفي السمع والعلم فذلك أبلغ في تقرير إحاطة الرب، جل وعلا، بعباده، سمعا وعلما فعلم حاجتهم في أزمنة الفترات إلى تجديد العهد بالنبوات فـ: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

ثم شرع في تقرير الربوبية العامة التي أحاطت بالموجودات فهو جل وعلا: رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا.

ثم جاء تقرير الألوهية: لازم الربوبية على هيئة شرط سيق مساق الإلهاب: (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)، فتأويله: إن كنتم موقنين فاعترفوا له بوصف الربوبية ولازمها من وجوب إفراده بالتأله، فذلك أمر بين لا يماري فيه ذو عقل صريح.

ثم جاء الإطناب في تقرير تلك المسألة الجليلة: فـ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: فذلك تمام ألوهيته فهو المعبود بحق على حد الانفراد، وعلة ذلك أنه: يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ: فذكر وصف الإحياء والإماتة، وهما من أوصاف الأفعال، ذكرهما بصيغة المضارع إشارة إلى تكرارهما واستحضارا للصورة العلمية فذلك أدعى إلى تقرير المعاني في العقول والقلوب، ثم ذكر عموم الربوبية للكائن الموجود والسابق المعدوم، فالنسق نسق: عام قد عطف على الخاص، فخص الإحياء والإماتة بالذكر إذ هما من أخص أوصاف الربوبية، ثم عم فذكر ربوبيته، جل وعلا، للموجود والمعدوم كما تقدم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 09 - 2009, 08:42 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير