وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ: على تقدير عامل في الظرف من قبيل: واذكر يوم يعض، وقد جاء المضارع استحضارا لصورة الظالم في ذلك الظرف، وذلك بمقام الترهيب من مآله أليق، على حد ما اطرد من كون أخبار الوعد والوعيد: إنشائية المعنى من جهة حمل المكلف على الفعل ترغيبا، وحمله على الكف ترهيبا، إذ النص على المآل يجعل العبد يتحرى في الحال، فالقياس مطرد منعكس في هذا الباب، فمن سار على طريقة الظالم فله من عض اليد على حد الندم نصيب، ولكل حظه من ذلك بقدر ما اقترفه من مظالم، وأعظمها الشرك: رأس الظلم فلا يغفره الله، عز وجل، إذ مقتضى الحكمة عدم التسوية في مآلات من تباينت أحوالهم في دار الابتلاء.
ومن سار على ضد طريقته فهو ناج آمن.
و: "أل" في: "الظالم": إما أن تحمل على الاستغراق، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فتعم كل صور الظلم، أو تعم كل أفراد من قام بهم وصف الظلم سواء حمل على الشرك خصوصا أو على أجناس المظالم عموما.
وإما أن تحمل على العهد الذهني، فيراد بالظالم: عين من نزلت فيه الآية وهو الشقي: عقبة بن أبي معيط الذي آذى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهو خلاف الأصل، إذ الأصل كما تقدم: عموم اللفظ، ولا يخلو هذا القول من نوع تعميم للمعنى بقياس من على شاكلة عقبة عليه في الحكم الدنيوي، فيجب قتل كل من آذى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وفاته، إذ ذلك استيفاء لحقه، فليس موجودا بيننا ليعفو عنه، ولا يقوم بذلك إلا الإمام إن لم يكن منصبه شاغرا!، كما هو الحال في زماننا الذي عطل فيه الشرع المنزل، وفي الحكم الأخروي فسيعض أصابع الندم، فذلك من الكناية عن شدة الندم فلا يمنع ذلك وقوع الملزوم على جهة الحقيقة بل المطرد في لحظات الندم: عض الأصابع، كما اطرد وضع اليد على الفم تعجبا، على حد قوله تعالى: {فَرَدُّوا أيديهم في أفواههم}، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله. وأصل نشأة تلك الأفعال، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تهيج القوة العصبية من جراء غضب أو تلهف فينعكس ذلك على ظاهر البدن، فإن القوى الباطنة تظهر آثارها على القوى الظاهرة كما يظهر تمايل البدن من جراء طرب الباطن بأنغام من اعتاد حضور مجالس السماعات المحدثة، التي تورث خفة في الروح والعقل تظهر آثارها على البدن أفعالا يستحي منها كافة العقلاء.
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا: فذلك النداء أبلغ في إظهار التندم والتحسر على حد قوله تعالى: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ).
يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا: فذلك جار مجرى البيان ببدل الاشتمال، فهو من عطف اللازم على الملزوم، فلازم الإعراض عن اتخاذ السبيل مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اتخاذ غيره خليلا، والإتيان بلفظ الخليل مئنة من شدة المخالطة بينهما حتى صار كالروح التي تتخلل مسالك البدن فلكل عضو بل لكل خلية منها نصيب، فمن كان خليله على ذلك الوصف الردي، فلا يلومن إلا نفسه إذا قام بين يدي الرب العلي تبارك وتعالى.
والنفس إن لم تشغل بالحق على حد الوحي: علما وعملا، شغلت بالباطل على حد: الإفك العلمي والإثم العملي.
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي: فقوله: "بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي" احتراس إذ قد قامت عليه الحجة الرسالية ومع ذلك أعرض عن اتباع خبر الوحي المنزل.
وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا: على حد المبالغة، فهي: "فعول" على حد: "فاعل"، فذلك أبلغ في التحذير من كيده ووساوسه، فكيده ضعيف وإن عظم لمن التزم حكم الشرع فصبر على المأمور فعلا وعلى المقدور جلدا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 09 - 2009, 08:30 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
¥