تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله: "خالدين فيها": احتراز مما ينغص المنة من زوالها أو الزوال عنها، فهم خالدون فيها، وذلك دال لزوما على بقائها، إذ يبقى أصحابها فيها على حد الخلود، فيكون الظرف خالدا بداهة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 09 - 2009, 09:34 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)

فالمضارع مئنة من استحضار الصورة، فرؤيتهم تستحق ذلك، إذ مقام معرفة الحق بدليله: أشرف المقامات العلمية، واتباعه: أشرف المقامات العملية.

وجاء الفاعل موصولا على ما اطرد من التنبيه بذلك على العلة التي أنيط بها الحكم، وهي الوصف الذي اشتقت منه الصلة: إيتاء العلم، فذلك من المنح الربانية المكتسبة، فهو منحة كونية تكتسب ببذل أسبابها الشرعية. فكم أوتي فئام من البشر عقولا وذكاء، ولكنهم لم يؤتوا زكاء يطيب تلك القوى الإدراكية الممنوحة من الباري، عز وجل، على حد المنة والفضل، فصارت عقولهم عليهم وبالا، وكم حصل آخرون أسباب العلم فلم يتحصل لهم منه كبير قدر، إذ لم يؤتوا من الإعانة الربانية على الفهم والحفظ، وإن أوتوا صبرا وجلدا على الدرس، و: "أل" في: "العلم": عهدية إذ المراد بها العلم الإلهي، أشرف أجناس العلوم، وقد يراد بها العموم فتشمل العلم التجريبي، على حد قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، فالآيات الآفاقية والآيات النفسانية شاهدة بقدرة وحكمة الرب، جل وعلا، فهي مئنة من استحقاقه منصب الألوهية على حد الانفراد فلا شريك له فيه إذ لا شريك له في منصب الربوبية والخالقية. ولا يكون العلم الإلهي نافعا إلا إذا كان على حد ما جاءت به الرسل، عليهم السلام، ولا يكون العلم التجريبي نافعا إلا بقيد الاستضاءة بنور الوحي الهادي، فكم غرت علوم الظاهر ملاحدةً من الأمم، فصيروا الطبيعة إلها، وجعلوا النظريات الميكانيكية، نواميس ذلك الإله المنحوت في أذهان لم تشرق على أرضها شمس النبوات، فذلك علم لا يجدي بل صاحبه من أضل الناس سعيا، فلم يزده العلم بالسنن الكونية إلا إعراضا عن التأله لمجريها جحودا واستكبارا، على حد قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).

واستعمال فعل الرؤية العلمية آكد في تقرير المعنى وتوكيده على حد اليقين من فعل العلم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فإن من العلم ما هو ضروري، ومنه ما هو نظري، ومنه ما هو ظني، فالرؤية العلمية فرع عن الرؤية البصرية، من جهة حصول اليقين بها، فكما أن العين تتيقن بالباصرة المرئيات، فكذلك القلب يتيقن بالبصيرة العلميات، فجنس اليقين الحاصل بمشاهدة العين المحسوسَ، ومشاهدة القلب المعلومَ: كلي تندرج تحته أنواع اليقين المرئي واليقين القلبي.

فيرى أولئك، وقد قيل بأنهم: علماء أهل الكتاب، وليس ذلك مما يمنع إرادة غيرهم، فهو على هذا التأويل من باب: ذكر بعض أفراد العام تمثيلا وتنويها بشأنه إذ عندهم من العلم ما ليس عند العرب الأميين، فعلمهم بصدق تلك الرسالة الخاتمة مما يقطع بصحتها إذ هي في كتبهم مثبتة، بعد التبديل وقبله من باب أولى فغايتهم أن يتأولوا الألفاظ على غير معانيها، فرارا من التصديق بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتحمل الألفاظ، كشأن أي محدث في الملل ما ليس منها، تحمل على معان بعيدة، لا يكاد يدل عليها اللفظ إلا على حد اللعب في أحيان كثيرة!.

فرؤيتهم العلمية الباطنة لم تشفع بالتصديق والانقياد القلبي الذي ينتج أعمالا صالحة يزكو بها القلب، وتعمر بها الجوارح، ومع ذلك كان مجرد سكوتهم عن إبطال الرسالة في مبدئها دليلا على صحتها، إذ قد قامت الحاجة إلى بيان بطلانها صيانة لعلوم النبوات مما يداخلها من دعاوى المتنبئين، فلما سكتوا عنها، والحال: حال بيان، كان ذلك السكوت في موضع البيان: بيانا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير