تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 09 - 2009, 09:11 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)

فالحصر حقيقي، فلا يقع أي حدث كوني، ومنه: تنزل الملائكة إلا بأمر الرب، جل وعلا، الكوني، فذلك مئنة من ربوبيته العامة القاهرة لكل الموجودات بالقدر الكوني النافذ.

والتنزل مظنة التكلف إذ نزول الملائكة إلى الأرض السفلية خروج عن طبائعها العلوية، وذلك مظنة التكلف بالخروج عن الطبع المألوف، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وذلك بداهة: بالنسبة إليهم، لا بالنسبة إلى الله، عز وجل، فإنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فالمعلول الكوني تال للعلة التكوينية: الكلمة: "كن" على جهة الفور والتعقيب.

واللفظ من جهة أخرى قد يفيد التكثير، على وزان تنزل الملائكة في ليلة القدر، وتنزل القرآن نجوما متتالية، على حد قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا). فالملائكة تتنزل بالكلمات الكونية المتتالية: نفخا وقبضا، إنجاء وإهلاكا ......... إلخ، فهي بأمره، جل وعلا، نازلة، به عاملة، له منقادة خاضعة، ونزولها على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار)، وذلك مظنة التكرار الذي يناسبه "التفعل" على حد ما قرر الصرفيون في مبحث معاني حروف الزيادة.

ولا مانع من الجمع بين المعنيين إذ لا تعارض بينهما، فذلك، على حد ما اطرد من إثراء دلالة اللفظ بتوارد المعاني الصحيحة عليه.

والباء في: "بِأَمْرِ رَبِّكَ": هي الأخرى يتوارد عليها معنيان:

السببية: فأمر الله، عز وجل، الكوني هو علة صدور فعل التنزل من الملائكة.

والمصاحبة: فهي نازلة بأوامره المجرية لسائر الأمور والحوادث الكونية.

والإضافة في: "ربك": إضافة تشريف للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإفراده بوصف العبودية الاختيارية، ولا يعني ذلك قصرها عليه، إذ لغيره من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين منها نصيب، وإنما ذلك جار مجرى: ذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه، وإنما أفرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك تنويها بكمال عبوديته الاختيارية لرب البرية، فهو أول العابدين، وخير العابدين، فليس نصيب غيره من ذلك الوصف الشريف كنصيبه إذ له منه أوفر قسط وأعظم قدر، فهو الذي حقق مراد الرب، جل وعلا، الشرعي، على جهة الكمال، لمكان عصمته، ولمكان تقدمه على سائر الأنبياء عليهم السلام، واختيار وصف الربوبية مما يلائم سياق الأمر الكوني، إذ ذلك من أخص أوصاف الربوبية: ربوبية الأمر والنهي الكوني، على حد النفاذ فلا معارض لأمره ولا معقب لحكمه.

ثم ذيل بما يدل على كمال ربوبيته:

"لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ":

فاللام على ما اطرد في هذه المواضع تفيد: الملكية للأعيان واستحقاق التدبير للأفعال، هو المالك للأعيان الملك المهيمن على الأفعال، وقد أطنب باستيفاء أوجه القسمة العقلية: المستقبل والماضي والحاضر الذي هو بينهما.

ثم ذيل تذييلا آخر يناسب السياق على القول بأن سبب النزول هو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تكرار زيارة الروح القدس عليه السلام، فناسب ذلك التنبيه على كمال علم الرب المحيط، جل وعلا، الثابت على جهة اللزوم من وصف النفي الذي جيء به دفعا لتوهم نقص علم الرب، جل وعلا، فهو استثناء، إذ الأصل في هذا الباب الشريف: الإثبات لا النفي، فالنفي، كما قرر أهل هذا الشأن الجليل، ليس مرادا لذاته، وإنما يتوصل به إلى إثبات كمال الضد، فله، عز وجل، كمال العلم إحاطة بالأعيان والأحوال، فلا تنزل الملائكة إلا بإذنه، إذا كانت الحكمة في نزولها، والحكمة فرع عن العلم الأزلي الأول، فذلك وجه تعلق الأمر الكوني أو الشرعي بالعلم، فالعلم لازمه الحكمة، والحكمة مصدر الأمر الرباني: كونيا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير