تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان أو شرعيا.

وصيغة: "نسيا": على حد المبالغة في سياق النفي آكد في تنزيه الرب، جل وعلا، عن وصف النقص، على حد قوله تعالى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

ثم جاء الاستئناف بما يصح جعله علة لما تقدم من نفي النسيان وإثبات كمال ضده من العلم المحيط، كما أشار إلى ذلك الألوسي، رحمه الله، فوصف ذلك الرب العليم الحكيم جل وعلا:

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا: على تقدير مبتدأ محذوف: فهو رب السماوات والأرض وما بينهما على حد الاستغراق ففيه، أيضا، ما تقدم من استيفاء أوجه القسمة العقلية، ولكن الاستيفاء هنا تعلق بالظرف المكاني، بينما تعلق في الموضع السابق بالظرف الزماني، فإحاطته، جل وعلا، بالكائنات: إحاطة زمانية مكانية.

فذلك: توحيد الرب، جل وعلا، بذاته القدسية وأفعاله الجارية على سنن الحكمة الربانية، ولازم ذلك:

فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ: فالفاء تعقيبية مئنة من لزوم ما بعدها فرعا عما قبلها لزوما عقليا لا انفكاك فيه، فمعنى السببية فيها ظاهر، وإن لم تكن في هذا الموضع نصا فيه، فعلة استحقاقه العبادة على وجه الانفراد، اتصافه بكمال الذات ونفاذ الأفعال على حد الاستقلال فلا يفتقر إلى شريك في الملك أو ظهير في الفعل.

ومع الأمر بالفعل: جاء التعقيب بالأمر بالاصطبار زيادة في المعنى فرعا عن الزيادة في المبنى، ففيه معنى التكلف بحمل النفس على الطاعة وإن كانت تنفر منها بمقتضى ما جبلت عليه من الركون إلى الدعة والسكون، والنكول عن مشاق التكليف التي ينال بها العبد درجات التشريف، فلا يدرك نعيم النفس بترقيها في درجات الكمال، بنعيم الجسد بانحطاطه في دركات الشهوات.

ثم جاء التذييل بالنوع الثالث من أنواع التوحيد: توحيد الأسماء والصفات، فجاء على صيغة الاستفام الذي يفيد الإنكار الإبطالي لما بعده، فذلك أبلغ في تقرير المعنى، فلا سمي ولا مماثل له، على حد قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، والنفي الذي دل عليه الاستفهام بـ: "هل" قد تسلط على النكرة: "سميا" فأفاد العموم.

وتلك من الآيات الجامعات إذ تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 09 - 2009, 08:59 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ):

فزيد المعنى في مقام الذم بزيادة المبنى بـ: "ما" التي تفيد تكرار اللفظ تقديرا، فالتكرار، ولو مقدرا، مظنة التوكيد.

فلعنوا بنقض الميثاق الذي أجمل في هذا الموضع، وبين في آخر هو قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ).

ومن شؤم المعصية توالي العقوبات:

فجعلنا: جعلا كونيا، بمقتضى عدله، جل وعلا، فعلمه بفساد المحل ويبوسته، علم أزلي، فلا تقبل تربته غرس الإيمان، فقست القلوب بالعدول عن الوحي المطيب لها بأجناس الأحوال الشريفة.

وقد استعيرت القساوة المادية للقساوة المعنوية إمعانا في بيان فساد تلك المحال الخبيثة التي لا تنبت كلأ ولا تحفظ ماء.

ثم جاء الاستئناف إمعانا في ذكر معائبهم في معرض الذم والتبكيت:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير