تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 09 - 2009, 02:58 م]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

ففيه تصدير بالنداء المشعر بعلو المخاطِب، جل وعلا، وغفلة المخاطَب، بقرينة التوبيخ الذي دل عليه الخبر التالي، فهو خبر عن كتمانهم الكتابَ الأول وما جاء فيه من الحق، وما جاء فيه من البشارة بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو ما حرفوا لفظه أو أولوا معناه، مع تواتره بما يرفع الاحتمال، فهو قطعي الدلالة، يفيد بمجموعه ما لا يفيده بآحاده، على ما اطرد في حد المتواتر، والنداء بوصف أهل الكتاب على حد ما جاء في الآية السابقة: (إِنَّا نَصَارَى)، ففيه نوع إلهاب وتهييج لهم على اتباع الحق إذ هم باعتبار ما أوتوه من العلم أولى الناس باتباع الحق، فإن من عرف الحق بدليله فهو أولى الناس باتباعه إن كان قد رزق عقلا وسدادا، فكم من العقلاء الذين خذلوا بفساد نواياهم فهم ممن أوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاء، فإن هداية التوفيق والإلهام بيد مصرف القلوب، جل وعلا، فمن شاء أقامه فضلا، ومن شاء أزاغه عدلا.

قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ:

فذلك خبر أريد به إنشاء التوبيخ، فقد جاء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مبينا لهم كثيرا مما يخفون من الكتاب، والإتيان بالمضارع مئنة من استحضار الصورة.

وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ: على وزان: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ).

قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ: فذلك من الإطناب ببدل الاشتمال، ففيه من فنون البلاغة: عطف المبين على المجمل، فصدر الكلام بالعموم، وثنى بالخصوص، فهو المقصود بالحكم، إذ الرسالة هي محط الفائدة في معرض بيان الحق فهي الدليل والمدلول معا، ففيها الخبر الصادق والبينة العقلية الصريحة.

فهو النور الذي عطف عليه الكتاب: عطف بيان، إذ استعار النور الحسي للنور المعنوي، فالكتاب نور تتبدد به ظلمات القلب، كما تتبدد ظلمات الجو بنور الشمس.

وأعيد حرف التحقيق: "قد": إمعانا في التوكيد، فضلا عن ضعف الرابط بين البدل والمبدل منه في بدل الاشتمال، بخلاف البدل المطابق الذي تقوى فيه العلاقة بين البدل والمبدل منه، وإليه أشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، بقوله: "وأعيد حرف (قَد) الداخل على الجملة المبدل منها زيادة في تحقيق مضمون جملة البدل، لأنّ تعلّق بدل الاشتمال بالمبدل منه أضعف من تعلّق البدل المطابق". اهـ

و: في: "مبين": تبادل للصيغ، إذ هو: "مبين" بمعنى: مُبَيَّنٌ في نفسه، وهو: "مبين" بمعنى: مُبَيِّنٌ لغيره، فبيانه ذاتي في نفسه متعد لغيره.

ثم أطنب في بيان وصف الكتاب الهادي:

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ: ففي المضارع مئنة مما تقدم من استحضار الصورة فالهداية حاصلة به: هداية الشرع المبين.

واستعار السبيل الحسي للسبيل المعنوي، فهو كالدليل المرشد لطرق النجاة في مفاوز الصحراء، فكذلك الكتاب الهادي: دليل مرشد في مفاوز المقالات الأرضية، فشتان الوحي الصادر من الرب الخالق، جل وعلا، والقول الصادر من العقل المخلوق، فكمال الأول من كمال ذات الباري، عز وجل، فهو مما قام بها من أوصاف، فالوحي الشرعي من كلامه، عز وجل، فمنه الكوني النافذ، ومنه الشرعي الحاكم، والوصف فرع عن الموصوف، فكمال الوصف فرع عن كمال الذات التي قام بها، وفي المقابل: نقصان الثاني من نقصان الذات التي قام بها، فالأمر مطرد منعكس، فبقدر كمال الذات يكون كمال الأوصاف القائمة بها، وبقدر نقصانها يكون نقصان أوصافها، فللخالق، عز وجل، منها أكمل الأوصاف اللائقة بجلاله وكماله الذاتي، وللمخلوق منها ما يناسب حاله من النقصان الذاتي، فأوصاف الكمال المطلق للذات الكاملة، وأوصاف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير