تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 09 - 2009, 06:02 م]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ):

ففيه إطناب بتكرار الخطاب لهم في معرض إقامة الحجة ببعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فناسب ذلك التقرير الإتيان بحرف التحقيق: فقد جاءكم رسولنا، وإضافته إلى الله، عز وجل، على حد ضمير الجمع: "نا" الدالة على الفاعلين من إضافة التعظيم والتشريف، فشرفه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من شرف مرسِله جل وعلا.

ثم عقب ببيان إجمال المجيء، كما في الآية الأولى: (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ): فذلك بيان لجنس المبين.

و: (عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ): فذلك بيان لظرف المبين، فذلك أبلغ في تقرير المنة، فاتصال خبر الوحي بعد انقطاعه من لدن المسيح عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم المنن الربانية على أهل الكتاب خصوصا لاستئثارهم بعلوم الوحي زمان الفترة فهم مظنة المسارعة إلى الإجابة إذ عندهم من أدلة صحة الرسالة ما ليس عند غيرهم من الأميين، وعلى البشرية عموما فبعثته صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رسم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فهو رحمة للموافق الذي صلح أمر دينه بعلوم الرسالة المصححة لعقد القلب وأعمالها المزكية للباطن والظاهر، وأمر دنياه بأحكامها العادلة وسياساتها الفاضلة، وهو رحمة للمخالف الذي أمن على دمه وعرضه وماله وإن أبى الدخول في دينه، وتاريخ الأمم خير شاهد على ذلك.

ثم ذيل بالعلة إمعانا في إقامة الحجة:

(أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ): على تقدير لام التعليل على حد: لأن لا تقولوا، على وزان:

نزلتم منزل الأضياف منّا ******* فعجَّلنا القِرى أن تشتمونا

وأباه ابن هشام، رحمه الله، في "المغني" فتقديره عنده: "كراهية أن تقولوا"، أو: "مخافة أن تقولوا".

قال رحمه الله:

"والرابع، (أي من استعمالات "أن"): أن تكون بمعنى لئلاّ، قيل به في: (يُبيّن الله لكم أن تضلّوا) وقوله:

نزلتم منزل الأضياف منّا ******* فعجَّلنا القِرى أن تشتمونا

والصواب أنها مصدرية، والأصل كراهية أن تضلوا، ومخافة أن تشتمونا، وهو قول البصريين. وقيل: هو على إضمار لام قبل أنْ ولا بعدها، وفيه تعسّف". اهـ

وفي مقام الاحتجاج ولو زورا يورد المحتج حجته مؤكدة بما يحتمله السياق من المؤكدات اللفظية، فحجتهم التي أبطلها مجيء الرسالة الخاتمة جاءت مؤكدة بـ: "من" التي تفيد التنصيص على العموم، وتكرار النفي: (مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ)، وفيها إشارة إلى وظيفة الرسل عليهم السلام بإيراد وصفي: "بَشِيرٍ"، و: "نَذِيرٍ" على حد طباق الإيجاب بين البشارة ترغيبا والنذارة ترهيبا.

ثم عقب بإبطال الحجة فصدر الكلام بالفاء الفصيحة على تقدير: لأن قلتم ذلك فقد بطل قولكم إذ قد جاءكم بشير ونذير، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك أبلغ في تقرير الحجة، فيكون في السياق إيجاز بحذف ما دلت عليه الفاء الفصيحة.

ثم ذيلت الآية بوصف الله، عز وجل، بطلاقة القدرة على فعل كل الممكنات الجائزات، فإرسال الرسل عليهم السلام من الجائز الذي امتن الله، عز وجل، به على عباده، فيقدر على إرسال الرسل تترى كما بين الكليم والمسيح عليهما السلام، ويقدر على الإرسال على فترة كما بين المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، ويقدر على ختم النبوة بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي كلٍ له حكمة باهرة، فبنو إسرائيل أمة داؤها عضال فلزمها من الأطباء ما بلغ حد التواتر، والأمة الخاتمة أصح الأمم عقولا وقلوبا فشفى الله، عز وجل، بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم داءها، فلم تحتج بعده إلى نبي، ولم تحتج بعد رسالته إلى رسالة، فرسالته قد استوفت أجناس العلوم النافعة والأعمال الصالحة، فلا يزيد عليها إلا محدث في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير