تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الملة، قوله مردود وفعله مرذول.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 09 - 2009, 03:30 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ):

فالحال: "بِالْحَقِّ": مقيدة، إذ ذلك من القصص الحق، على حد قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)، وليس له مفهوم وصف إذ هو بمنزلة الوصف الكاشف المؤكد، فليس من التنزيل ما هو حق، وما هو غير حق، ليصح القول بالمفهوم، بل إن لازم ذلك: إبطال التنزيل. فإبطال موضع واحد منه إبطال لجميعه، بإهدار عصمته، إذ يتطرق الشك لكل مواضعه، وذلك ما وقع لأصحاب الكتب الأولى، إذ وقع التحريف يقينا في مواضع دون مواضع ففيها من الحق: الكثير، ولكن نيل يد التحريف من النص الأصلي دون وجود نص محفوظ منقول بالتواتر يحتكم إليه عند الاختلاف فضلا عن عدم حفظه في الصدور، فلم يحفظ في الصدور أو السطور، ذلك التحريف هو ما أوجب التوقف في قبول أخبار الكتاب الأول، فإن رويت فعلى سبيل الاستئناس لما جاء في الكتاب العزيز، فهو العمدة في الإلهيات والحكميات، أو لما لا ينبني عليه علم أو عمل كتفاصيل القصص التي أطنب كاتبو الأسفار في سردها على حد جعلها أشبه ما تكون بكتب السير مع افتقادها للمعايير العلمية الدقيقة التي اتبعها كتاب السير والمغازي من أئمة المسلمين.

إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ: على حد طباق السلب في معرض بيان جزاء كل منهما فرعا عن حاله: مدحا أو ذما.

ولفظ: "قربانا": باعتبار الجنس إذ قد قرب كل واحد منهما قربانا فلم يقربا معا قربانا واحدا كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ:

على حد التوكيد فاللام: لام الجواب لقسم محذوف فضلا عن التوكيد بنون التوكيد المثقلة، فتقدير الكلام: والله لأقتلنك. فذلك مئنة من عزمه الأكيد على ارتكاب الفعل، وهو أبلغ في قطع العذر وإبطال الحجة.

قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ: فذلك جار مجرى المثل السائر، فالحصر حقيقي، وقد جاء بأضعف أدوات الحصر: "إنما" مئنة من كونه أمرا بدهيا لا يتطلب مزيد بيان، فإن الله، عز وجل، لا يتقبل عملا إلا إذا كان على رسم السنة هيئة، ورسم الإخلاص صفة، ولا يتصور ذلك إلا من متق يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، وفي إيثار وصف التقوى على بقية أوصاف المدح الشرعي، تعريض بالقاتل ليكف وينزجر، وحض له على ملازمة ذلك الوصف ليتقبل عمله كما تقبل من المقتول، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله.

ثم أطنب في معرض التذكير:

لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي: فاللام موطئة لقسم محذوف مؤكد لمضمون الشرط، وفيه ما تقدم من طباق السلب في معرض بيان القدر الفارق بين طرفيه، فإن بسطت إلي يدك إيجابا لتقتلني إيجابا، فما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك سلبا، ثم ذيل بالعلة المؤكدة فحسن الفصل لما تقرر مرارا من شبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها: "إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ". وفيه، أيضا، من التعريض بالقاتل لينزجر، على تأويل: فلتخف رب العالمين فلا تقدم على ما زين لك شيطانك، فهو خبر مبطن بمعنى الإنشاء للزجر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير