تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمن أجل ما تقدم من نبأ ابن آدم، على طريقة العرب في الإشارة إلى ما تقدم قريبا، باسم الإشارة للبعيد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، فكلاهما في حكم المنقضي، وتلك من الصيغ الصريحة في العلية كما قرر الأصوليون، فعلة الكتابة الشرعية على بني إسرائيل القصاصَ، ما تقدمه من ذكر نبأ ابني آدم، وصيغة الجمع تعظيما في معرض التشريع آكد في التقرير، وهو حكم عام لهم ولنا، على من يرى حكاية شرعنا له كافيا في إثباته شرعا لنا، ويرجح ذلك قول حذيفة رضي الله عنه: (نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لكم كل حلوة، ولهم كل مرة، لتسلكن طريقهم قدر الشراك) في معرض الإنكار على من قصر الأحكام الشرعية على من نزلت فيه من بني إسرائيل وذلك غير جار على ما تقرر في الأصول من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقدم في نبأ ابني آدم، وعليه يخرج ذكر بني إسرائيل دون من سواهم، فذكرهم ليس مخصصا لعموم اللفظ، بل هو جار مجرى التمثيل للعموم بفرد من أفراده، وإنما خصوا بالذكر إمعانا في الذم، أو لكونهم أصحاب الكتاب الأول فتشريع ذلك في حقهم آكد لكونهم قد خوطبوا بشرع منزل، وإن كان الكل مخاطبا بالشرع المنزل، ولكن ليس من خص بالكتاب كمن لم ينزل عليه وحي من السماء، وبذلك امتاز اليهود على العرب الأميين حتى بعث النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فانتقلت وظيفة حمل الوحي وإبلاغه من الفرع الإسحاقي إلى الفرع الإسماعيلي وذلك فضل الله، عز وجل، يؤتيه من يشاء.

ويرجحه أيضا: ما رواه ابن المبارك، عن سلام بن مسكين، عن سليمان بن علي الرِّبْعِي قال: قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد، كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل. وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.

وأما من لا يرى حكاية شرعنا لشرع من تقدمنا: شرعا لنا، فقد استدل لوجوب القصاص بنحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، فهو نص في وجوبه علينا.

ونظير ذلك من حكاية حال من قبلنا مدحا أو ذما مع كونه شرعا لنا: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ). فهي عامة في حق كل من اكتنز المال فلم يؤد حقه الشرعي من الزكاة الواجبة، سواء أكان يهوديا أم نصرانيا أم مسلما.

وكل مال وإن عظم ليس بكنز إذا أخرجت زكاته، فمتعلق الذم: ما لم تخرج زكاته من الأموال التي شرع الرب، جل وعلا، إخراج مقادير محددة منها إذا بلغت أنصبة معينة بشروط فصل الفقهاء القول فيها في كتب الفروع.

والضمير في: "أنه": ضمير الشأن فذلك في مقام التهويل آكد، إذ شأن الدماء عظيم، وجاء الشرط في معرض الوعيد:

مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا: وقوله: "بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ": احتراس إذ ليس كل قتل مذموما بل منه ما هو ممدوح بل واجب على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، وإراقة دم الحربي في ميدان القتال: أمر ممدوح، بل قد جاء النص عليه وجوبا على حد قوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)، فالمصدر آكد في الدلالة على الوجوب من الأمر الصريح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير