تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشرط من جهة أخرى إلهاب وتهييج لبقية الجماعة المسلمة على طلب القاتل لاستيفاء القصاص منه، فهو بمنزلة من قتل الناس جميعا، إذ ضرره لو ترك عظيم، فلو أن الناس تركوه دون قصاص لفتح باب القتل على مصراعيه لغياب وازع سيف القصاص الرادع، وهذا ما وقع في الأعصار المتأخرة لما عطلت الشريعة الخاتمة، فكثر الهرج، وهو القتل، كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك من شؤم ترك الاحتكام لشريعة رب العالمين، وهو، أيضا، من أشراط الساعة الصغرى.

فهو، وإن كان خبري اللفظ والمعنى، إلا أنه لا يخلو من دلالة إنشائية في معرض الحض إلهابا وتهييجا على التفصيل المتقدم.

ثم جاء الشرط في معرض الوعد مقابلة، على ما اطرد في التنزيل من القران بين المتضادات في ذات السياق إمعانا في البيان، إذ الضد بضده يتميز:

وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.

ثم جاء التذييل بذمهم خصوصا، ومعناه، أيضا، متعد لكل من أعرض عن الشرع المنزل:

وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بالبينات: فأقيمت عليهم الحجة الرسالية فلا حجة لهم في ترك الاحتكام إلى الشرعة الإلهية.

ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ: على حد التوكيد بـ: "إن" واللام المزحلقة في: "لمسرفون". فذلك أبلغ في قطع العذر ولحوق الذم بمن أعرض عن أحكام الوحي المنزل.

وكأي خبر يتضمن مدحا أو ذما يقال: لا يخلو، أيضا، مع كونه خبرا محضا، من دلالة إنشائية على طلب الفعل إن كان السياق سياق مدح، أو: طلب الكف إن كان السياق سياق ذم. فليس ذكره لمجرد الحكاية أو التسلية، وإنما يذكر على حد الترغيب بوصف المدح والترهيب بوصف الذم.

ويفيد أيضا بدلالة منطوقه ثبوت الحكم لمن قام به الوصف الذي علق عليه، وهو وصف عام، فالمعرض عن خبر الرسالات بعد بلوغها إياه على حد الإسراف في الأرض، ولا يكون إلا كذلك: لزوما فالعطف بين الإعراض والإسراف: عطف متلازمين لا يتصور انفكاكهما نقلا أو عقلا، المعرض عنها مستحق للذم إذ أشارت الآية بمنطوقها إلى لحوق أوصاف الذم به، والممتثل لها، على حد المقابلة، مستحق للمدح، فذلك من دلالة الآية بمفهومها بإثبات نقيض الحكم لنقيض الوصف، على ما تقرر في الأصول من دلالة المنطوق والمفهوم. وهذا أصل مطرد في نصوص الوعد والوعيد.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 10 - 2009, 06:21 م]ـ

ومن قوله تعالى:

(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا: فأطنب في بيان العقوبات الشرعية بعد بيان عظم جرم القتل، وصدر الآية بالحصر، وهو إضافي من جهة دفع توهم غلظ العقوبة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مما قد يعرض لمن فسد قياسهم فقدموا مصلحة الجاني الخاصة على مصلحة الجماعة العامة، فتأخذهم الرحمة في دين الله بالمفسد دون نظر إلى ما قد يجره ذلك من فساد عريض باستخفاف الجناة بالدماء والأعراض والأموال، إذ قد أمنت العقوبة، كما هو مشاهد في واقعنا المعاصر إذ عطلت الحدود في كثير من الأمصار، فاجترأ العصاة على ارتكاب الجرائم أمنا من سيف الشرع الرادع.

وجاء المضاف على حد الموصول إشارة إلى العلة التي اشتقت منها جملة الصلة فهي مناط الحكم، وقوله: "يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ": مئنة من كون هذا الحق من حقوق الجماعة المسلمة، فلا يجدي عفو أولياء الدم نفعا، إذ ذلك إنما يجدي إذا كان القاتل غير محارب، فحد الحرابة من حقوق الله، عز وجل، التي لا يجوز التغاضي عنها، كما هو الحال في الحدود إذا رفعت إلى السلطان فلا يملك إلا إجراءها، فالعفو إنما يكون قبل بلوغ الحد السلطانَ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير