تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجرم، إذ العذاب العظيم لا يقتصر عليهم بل هو ثابت لأصناف آخرين غيرهم، وإنما خصوا به على حد القصر الادعائي مبالغة في التنفير من فعلهم.

وكما اطرد في نصوص الوعيد الخبرية فإنها لا تخلو من معنى إنشاء الزجر، إذ النص على العقوبة تحذير وتنفير منها بداهة.

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ: فذلك استثناء على خلاف فيما يعفى عنه وما لا يعفى عنه لا يتسع المقام لذكره، وقوله: "مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ": قيد احتراسي، إذ التوبة إنما تنفع في درء العقوبة المقدرة شرعا قبل أن يقدر الإمام أو نائبه عليه، بخلاف العقوبة الأخروية فإنها تسقط بالتوبة، فتنفيذ العقوبة الشرعية في العصاة لا يلزم منه نفاذ العقوبة الأخروية، بل قد يعفو الله، عز وجل، عن المحارب لمانع من موانع نفاذ الوعيد الأخروي قام به، وأولها التوبة، بل الحد كفارة على قول كثير من أهل العلم لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ)، فلا تشترط التوبة معه، وهو اختيار الطبري، رحمه الله، إذ لو كانت التوبة شرطا ما وسعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم السكوت عن بيانها وقد قامت الحاجة إليه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالسكوت في موضع البيان: بيان.

وذهب بعض السلف كسعيد بن المسيب وصفوان بن سليم، وبعض المتأخرين كابن حزم والبغوي وأبو عبد الله بن تيمية، رحم الله الجميع، إلى اشتراط التوبة.

وعليه خرج أهل العلم القول بقتل ساب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن تاب توبة صادقة، فإنها إنما تنفعه عند ربه، عز وجل، ولذلك يغسل ويكفن ويصلى عليه فتجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، وأمره إلى الله، عز وجل، فقتله إنما هو من باب استيفاء العقوبة الشرعية المقدرة، صيانة لعرضه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ ذلك حقه، فلا يملك العفو إلا صاحب الحق، فلما تعذر الرجوع إليه في ذلك وجب استيفاء حقه سدا لذريعة التساهل في هذا الأمر الجلل، فلو عفي عن الساب بمجرد إظهار التوبة، ولو نفاقا، لانفتح الباب لكل زنديق طاعن في عرضه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيسب ويقدح ثم يظهر التوبة، وقد أجرى بعض أهل العلم ذلك على من سب الصحابة، رضي الله عنهم، ولو لم يقتل الساب، فإنفاذ العقوبة في سابهم تأديبا بالتعزير مما لا يجوز للحكام التغاضي عنه، لتعذر الرجوع إلى صاحب الحق الذي يملك وحده العفو أو المطالبة.

قال الإمام أحمد رحمه الله:

"وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع". اهـ

فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: فذلك جار على حد ما تقدم من كون المصدر المؤول أبلغ في التوكيد على المعنى من المصدر الصريح، إذ قد تحمل سابقة المحارب التائب، وهي من السوء بمكان، قد تحمل الناس على استيفاء العقوبة منه، ولو جاء تائبا، فاحتراسا من ذلك التعدي الذي لا تسلم منه النفوس غالبا حال ثورانها، جاء التوكيد بـ: "إن" فسدت هي وما دخلت عليه مسد مفعولي فعل "العلم"، على تقدير: فاعملوا مغفرة الله، عز وجل، ورحمته كائنة فيمن ذلك حاله من التوبة قبل القدرة عليه.

والتذييل بوصفي المغفرة والرحمة باعث للهمم على امتثال الأمر بالعفو، إذ قد غفر الله، عز وجل، فستر الذنب ووقى من أثره المستوجب للعقوبة، فرحم التائب رحمة خاصة بالمؤمنين والتائبين، فذلك لازم المغفرة، ولذلك حسن اقتران الاسمين: "الغفور" و: "الرحيم"، فإذ قد غفر الله، عز وجل، ورحم، أفلا يتجاوز العباد؟!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 10 - 2009, 03:26 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير