تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بدعاء الصالحين من الأحياء ممن تجري عليهم أحكام التكليف: نوع سعي من طالب الدعاء لتحصيل ما يتوسل به إلى الرب، جل وعلا، بشرط أن يكون الداعي حاضرا ماثلا، فلا يطلب الدعاء من غائب، ولو كان حيا، إذ لا يسمع نداءه، فذلك في حقه: غيب، فادعاء سماعه للدعاء: ادعاء لعلمه الغيب وذلك من أخص أوصاف الرب، جل وعلا، فلا يعلم الغيب إلا هو، فاعتقاد ذلك في غيره غلو فيه، برفعه فوق منزلته، كما يقع من كثير ممن غلا في الشيوخ من الأحياء أو الأموات، ولو قدر أنه يسمعه، ولو ادعى ذلك، بل ولو كان صادقا في دعواه فذلك من تلبيس إبليس الذي يزين للتابع والمتبوع سوء عمله، فيراه كرامة، وهو عند التحقيق: إهانة، إذ كل عمل على غير رسم الشرع فهو: مذموم، ولو تضمن خارقة تبهر عقول من لم يحكم أصول الديانة، فجعل الخارقة مستنده، فهي ملازمة أبدا للحق، وليس ذلك بلازم إذ جنسها منقسم إلى: مستحب ومباح ومحرم، كالذي يقع للسحرة والكهان على حد الاستدراج، ولأتباعهم على حد الافتتان، والمعصوم من عصمه الله عز وجل.

وبشرط ألا يعتقد استقلال الداعي بالنفع أو الضر، فذلك مما يقدح في توكل العبد على ربه، عز وجل، إذ قد علق قلبه بالسبب وغفل عن مجريه، وذلك حال كثير من طالبي الدعاء والرقية، ولو كانت شرعية، فكيف إذا كانت شركية؟!، وطالب الدعاء أيضا، لا ينفك عن نوع مباشرة للدعاء وذلك نوع عمل يوقعه على حد التعبد، كما في حديث الأعمى الذي توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعو بـ: "اللهم شفعه فيّ وشفعني فيه": رجاء حصول شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه بقبول دعائه له ليرد الله، عز وجل، عليه بصره، وشفاعته هو في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن يستجيب الله، عز وجل، دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له، فهو بمنزلة التأمين على دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حد: اللهم استجب دعائي له بأن تجيب دعاؤه لي، فالمصلحة في آخر الأمر لطالب الدعوة، وإنما أمر بمباشرة الدعاء مع كونه طالبا له من غيره ليستحضر معنى العبودية فيعلق قلبه بمجري الأسباب، جل وعلا، فلا يخلي عمله من نوع قربة يتوسل بها إليه عز وجل.

فذلك حد الوسيلة المشروعة، وليس من ذلك ما يقع عند قبور ومشاهد الأولياء سواء أكانوا على رسمها أم ادعيت لهم، ليس من ذلك ما يقع عند تلك القبور والمشاهد من صور الغلو بـ:

طلب الدعاء من الميت، مع كونه قد فارق دار التكليف، فلا يملك إيقاع عبادة الدعاء لنفسه فضلا عن الدعاء لغيره!، وذلك مما ينهى عنه إذ هو ذريعة إلى دعاءه مباشرة، فهو من صور الشرك الأصغر الذي ينهى عنه سدا لذريعة الوقوع في الشرك الأكبر بدعاء غير الله، عز وجل فذلك: أعظم منهيات الرب جل وعلا.

أو التوسل بجاهه، فليس للمتوسل بذوات الوجهاء، لو كان لهم جاه معتبر كالأنبياء عليهم السلام، ليس له منه نصيب ليصح تذرعه به إلى طلب رضا الرب، جل وعلا، فالمتوسل إنما يصح توسله بما له نوع مباشرة له على حد القربة، على التفصيل المتقدم في صور التوسل المشروع. فلا يتصور أن يتوسل أحد بعمل غيره مما لا كسب له فيه فذلك من التواكل بمكان!

وجاء في تفسير الوسيلة أنها: الحاجة، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، فابتغوا إلى الرب، جل وعلا، أسباب قضاء الحوائج الشرعية والكونية، فعنده وحده الرزق: سواء أكان رزق الأديان أم رزق الأبدان، وذلك، كما ذكر صاحب "أضواء البيان" رحمه الله، مما لا يعارض تفسير الوسيلة بالطاعة، إذ التوجه إلى الله، عز وجل، بطلب قضاء الحوائج من: صور التعبد بالدعاء، فتفسير الوسيلة العامة بصورة الدعاء الخاصة جار مجرى: تفسير العام بذكر بعض أفراده فلا يخصصه، فلو فسر بـ: الصلاة، في قول، و: الزكاة في قول آخر، و: الحج في قول ثالث ............ إلخ، ما عد ذلك تضادا بل هو تنوع يحصل به مزيد بيان للعام بذكر بعض أفراده على حد التمثيل والتقريب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير