تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتقديم: "إليه": مشعر بالاختصاص على حد القصر الحقيقي بقرينة المنع من صرف أي عبادة لغير الله، عز وجل، فآل المعنى إلى: ابتغوا إليه وحده لا إلى غيره الوسيلة بفعل الطاعات استجلابا لرضاه واستدفاعا لسخطه جل وعلا.

ولا يرد على ذلك كون الوسيلة درجة يعطاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الحشر، فهي الشفاعة العظمى لبدء الحساب، فإن: "أل" على هذا التأويل: عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه.

لا يرد على تفسيرها بالطاعة أو طلب قضاء الحاجة تفسيرها في موضع آخر بالمقام المحمود، إذ السياق: قيد فارق يرجح معنى على آخر، فالسياق في نحو هذه الآية قرينة صارفة لمعنى الوسيلة إلى العمل الصالح، بخلاف القرينة السياقية في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ"، فإنها صارفة لمعنى الوسيلة إلى الوسيلة المعهودة، فالسياق، كما تقدم مرارا، أصل في معرفة مراد المتكلم فلا يمكن حمل اللفظ المحتمل لأكثر من معنى، على أحدها، إلا بعد النظر في السياق الذي يرجح معنى دون آخر، فبه يزول الإجمال ويصير الظاهر المحتمل نصا جازما لا يحتمل إلا معنى واحدا.

وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ: فذلك من عطف الخاص على العام، فالجهاد أحد صور الوسيلة، وإنما خص بالذكر تنويها بشأنه، فهو يعم كل صور المجاهدة:

للنفس: بحملها على الطاعة وكفها عن المعصية.

وللغير: بدفع وساوس شياطين الإنس والجان، ودفع عدوان الصائلين على الأديان بالحجة والبرهان في ميادين العقول، وبالسيف والسنان في ميادين العراك بالأبدان.

ثم جاء النص الصريح على العلة الباعثة على ذلك: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 10 - 2009, 03:12 م]ـ

ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)

فجاء الخبر مصدرا بالتوكيد إمعانا في المساءة إذ النص بعده على وعيد، ولو كان وعدا لكان التوكيد على ضده من المسرة، فأخبار المسرة جارية مجرى البشارة التي يحسن التوكيد عليها حضا على امتثال ما يستوجبها، وأخبار المساءة جارية مجرى النذارة التي يحسن، أيضا، التوكيد عليها تنفيرا مما يستوجبها وحضا على امتثال ما يستدفعها من أجناس الطاعة التي تحفظ بها النعم الكونية في دار الابتلاء على حد:

إِذا كُنْتَ فِى نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ******* فَإِنَّ المعاصِى تُزِيلُ النِّعَم

وتستجلب بها أعظم نعمة ربانية: نعمة سكنى الجنان على حد الخلود فلا تنغيص بموت أو فراق، فتستجلب بالطاعة تلك النعمة استجلاب المسبَّب بسببه، لا العوض بالمعوض عنه، فإن نعيم الجنة لا يعدل فعل العبد ولو بلغ ما بلغ من الطاعة، بل آحاد النعم الكونية في دار الابتلاء لا تعدل عبادة مئات السنين، كما في خبر العابد خمسمائة سنة فلم يعدل ذلك العمل نعمة البصر في ميزان العدل الإلهي.

وجاء تعليق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة: "كفروا" على ما تقرر مرارا من التوكيد على كون ذلك الوصف هو المؤثر في الحكم، فهو علته التي يدور معها وجودا وعدما، فبالمنطوق يكون الوجود، على حد التيئيس للكافرين خبرا، والتحذير من عاقبتهم إنشاء، وبالمفهوم يكون العدم، فينتفي ما تقدم من التيئيس في حق ما اتصف بضد وصفهم من الإيمان فهم ناجون من ذلك المصير، ويبقى التحذير إذ هو في حقهم باعث على الحذر مما لم يتلبسوا به، على حد:

عرفتُ الشرَّ لا للشرِّ لكنْ لتوقِّيه ******* ومن لا يعرِفِ الشرَّ من الناس يقَعْ فيهِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير