تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بخلاف الكفار الذين يجري الوعيد في حقهم مجرى الباعث على الكف عما تلبسوا به من وصف الكفر المستوجب للعقوبة الشرعية.

وجاء الشرط: لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مقدما إمعانا في التيئيس، فهو على حد المبالغة التي سبقت الإشارة إليها في نحو قوله تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فإذا كان ذلك جزاءهم لو افترض وقوعهم في الشرك، فغيرهم أولى بذلك، وكذلك يقال هنا: إذا لم تثبت النجاة لهم بما في الأرض جميعا ومثله معه، فانتفاؤها كائن فيما دون ذلك من باب أولى، ومعلوم بداهة أنه لا ملك لأحد يوم القيامة، فالملك يومئذ للواحد القهار، عز وجل، على حد قوله تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، وأما حال العباد فـ: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، فلن ينفع يومئذ إلا العمل: الخالص على رسم التوحيد، الصالح على رسم الاتباع لما سنه النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فـ: "لو" في هذا السياق هي التي تعارف البلاغيون على وسمها بـ: "الوصلية".

ثم جاء الإطناب إمعانا في المساءة:

وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: على حد الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير.

وجاءت الآية التالية بمزيد نكاية بوصف طرف من حالهم على حد المضارعة استحضارا للصورة ففي ذلك مزيد تحذير وزجر فـ:

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ: فضلا عن دلالة "أن" على تجدد الفعل وحدوثه فذلك مما يقع منهم مرارا، فتتكرر الحسرة بتكرار عدم وقوع المراد في كل مرة، وفي السياق إيجاز بالحذف لسؤال مقدر، على تأويل: فما حالهم في ذلك العذاب المذكور آنفا، فجاء الجواب: حالهم أنهم يريدون ............. ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فذلك، أيضا، جار مجرى ما تقدم من استحضار الصورة.

ثم جاء النفي المؤكد بالباء في: "وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا":

فذلك جار على ما تقدم من الإمعان في التيئيس، وهو وعيد في حق الكفار المخلدين لا عصاة الموحدين الذين تعذب فئام منهم عذابا غير مؤبد، فمآلهم، وإن طال تعذيبهم إلى دار النعيم على حد التخليد بعد حصول التطهير.

وبعده التذييل بإثبات نقيض مرادهم:

"وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ"

فمقابل إرادتهم الخروج جاء النص على ديمومة العذاب، فالتذييل في الآية السابقة وقع بوصف العذاب فهو: "أليم"، والتذييل في هذه الآية وقع بمدته فهو: "مقيم"، فاستوفى أوجه النكاية، فضلا عن كون الجملتين: "وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا": نفيا، و: "وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ": إثباتا قد جاءتا على حد الاسمية فلهما من معانى الثبوت والاستمرار ما ليس للجملة الفعلية، وثبوت معاني الوعيد فيما تقدم أبلغ في مساءتهم، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فتأمل كم ورد في حقهم من النكاية والمساءة والتيئيس من النجاة في سياق آيتين فقط بأبلغ معنى وأوجز لفظ؟!.

و: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 10 - 2009, 05:37 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

فـ: "أل" في: "السارق" و: "السارقة": موصولة إذ الحكم عام قد تعلق بمن تحقق فيه الوصف الذي اشتقت من الصلة الاسمية: اسم الفاعل المشتق من وصف السرقة، وقد جاء الخبر مقرونا بالفاء في قول للنحاة، مئنة من كونه مسببا عما قبله من المبتدأ إذ الموصول لا ينفك عن معنى الشرط، فدلالة العموم بينهما جامعة، إذ قولك: من سرق فاقطعه، و: الذي سرق فاقطعه على حد سواء في تقرير العقوبة فرعا عن الجريمة، فتلك من المواضع التي يحسن التعميم فيها بإيراد صيغ هي عُمَدٌ في باب العموم، إذ الأصل في باب الثواب والعقاب: العموم، فبيان مقادير الأعمال مما يستوي فيه سائر المكلفين من الرسل والنبيين، والأولياء والصالحين وآحاد المكلفين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير