تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجاءت اللام في: "للكذب"، و: "للسحت": للتقوية إذ يضعف الفرع المشتق عن عمل الأصل الذي اشتق منه على حد المطابقة، فيتسلط، إجمالا، على المعمول تسلطه، ولكنه يفتقر إلى واسطة لفظية لا يفتقر إليها الفعل الذي هو الأصل في العمل، وإن لم يكن أصل المشتقات على الراجح من أقوال النحاة.

فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ: فالتخيير هنا من باب التهوين على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لئلا يهتم بأمرهم إذ التخيير مظنة السعة، وقد اختلف في دلالتها هل هي:

خاصة باعتبار السبب من زنى الرجل والمرأة اللذين احتكم يهود إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمرهما.

أم عامة باعتبار اللفظ، وهو الراجح ابتداء، إلا أن تدل القرينة المعتبرة على خلافه.

وقال بعض أهل العلم هي منسوخة بالآية التالية: (وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله).

وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا: إطناب في معرض طمأنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلن يضروك شيئا، ولو حقيرا، لدلالة التنكير على ذلك. و: "لن" هنا على حد التأبيد لدلالة السياق على ذلك لا لكونها موضوعة ابتداء لذلك، فهي تفيد مطلق النفي فإذا جاءت قرينة تقتضي كون النفي غير مؤبد صير إليها، وإذا جاءت قرينة تدل على التأبيد صير إليها.

وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ: على حد قوله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).

وعلة ذلك:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ: ولازم ذلك حفظهم مما يكرهون من إرادة غيرهم الضر بهم فتلك مناسبة التذييل بتلك العلة كما ذكر أبو السعود رحمه الله. فذلك آكد في طمأنته وتسليته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:31 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ):

فالاستفام للتعجب من حالهم إنكارا وتوبيخا، إذ ما بعده كائن يستحق فاعله الذم، فهو أهل للتوبيخ، إذ عرف الحق، فعنده من النقل والعقل ما يؤهله لطلب الحق من مظانه دون ركون إلى تقليد، لا سيما إن كان يقلد من ينكر نبوته، فكيف صح في الأذهان أن يترك ما يعتقد عصمته ويذهب إلى من يعتقد عدم نبوته؟!.

فالآية مما يستنبط منه ذم التقليد لغير العاجز، فمن بلغ رتبة معرفة الحق بدليله: اجتهاد أو اتباعا بالترجيح بين الأقوال والأدلة، فلا يسوغ له من التقليد ما يسوغ لعموم المكلفين الذين حد أهل العلم اجتهادهم باختيار من يفتيهم فيتحرون الأعلم الأورع ......... إلخ على خلاف بين أهل العلم في أي الأوصاف تقدم عند التعارض، مع الإجماع على أن الفاسق أو مجروح العدالة من عالم سوء متأكل بديانة أو طامح إلى رياسة، ككثير من أصحاب العمم الرسمية في هذه الأعصار الردية، مع الإجماع على أنه ليس أهلا لطلب الفتيا، وإن صح اجتهاده لنفسه إن كان قد بلغ رتبة الاجتهاد، إلا إن كان الفساد قد بلغ به حد إضلال نفسه التي بين جنبيه!.

وأما المجتهد فالتقليد في حقه كالميتة فلا يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى كضيق زمان عن مباشرة أسباب الاجتهاد بنظر في الأدلة أو نحوه.

وفي السياق إيجاز بالحذف على ما قرره البغوي، رحمه الله، بقوله: "قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاة} هذا تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه اختصار، أي: كيف يجعلونك حكما بينهم فيرضون بحكمك وعندهم التوراة؟ {فِيهَا حُكْمُ اللَّه} وهو الرجم". اهـ

على ما تقرر من سبب نزول الآية، وقد يقال في هذا الموضع، أيضا، بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل من عرف الحق بدليله، أو اجتهد في اختيار مفتيه إن لم يكن أهلا للنظر في الأدلة بنفسه، ثم لم يرق له الحكم أو الفتيا، فراح يتلمس عند غيره رخصة، كحال كثير ممن يسأل ليترخص لا ليتدين، فدينه قد صار سلة مهملات للأقوال المهجورة وزلات العلماء المغفورة إن كانوا على رسم الصلاح والإمامة في الدين فلا يسلم أحدهم من قول مرجوح انفرد به فلم يتابع عليه، فيرد القول ويعتذر لصاحبه إذ له من الحسنات والمآثر ما يذهب أثر تلك الزلة، وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، فكيف إذا بلغ قلالا كثيرة، بل أنهارا وبحارا فسيحة؟!، فكل من عرف الحق ثم عدل عنه على الحد الآنف الذكر، فله من الذم الوارد في الآية نصيب.

ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ: إذ لم يرق لهم حكمك الذي وافق حكم كتابهم الذي بدلوا ألفاظه وأولوا معانيه على حد التحريف، وتوليهم مئنة من فساد تصورهم العلمي، إذ ليسوا بطلاب حق، كما تقدم، فذلك فساد في العلم والإرادة الباطنة تولد منه فساد في العمل إذ أعرضوا عن قبول الحق الذي وافق مسطور كتابهم، على ما اطردت الإشارة إليه مرارا من التلازم الوثيق بين العلم الباطن والعمل الظاهر: صحة وفسادا.

ثم نفى عنهم وصف الإيمان، إذ قد عدلوا عن شرعة الرحمن، جل وعلا، بل تعدوا ذلك إلى إخفاء نصوصها كما فعل ابن صوريا، وتبديل شرائعها كما فعلوا في حد الرجم، فـ:

مَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ: وأشير إليهم بـ: "أولئك": مئنة من سفل دركتهم، ودخلت الباء على الخبر توكيدا، فهم أهل لنفي ذلك الوصف الشريف عنهم على حد التوكيد الجازم.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير