تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مِنْهَا وَبُدِّلَ وَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيَّنَ أَيْضًا مَا كَتَمُوهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِبَيَانِهِ وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ بِأَحْسَنِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فَصَارَتْ لَهُ الْهَيْمَنَةُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَهُوَ شَاهِدٌ بِصِدْقِهَا وَشَاهِدٌ بِكَذِبِ مَا حُرِّفَ مِنْهَا وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِقْرَارِ مَا أَقَرَّهُ اللَّهُ وَنَسْخِ مَا نَسَخَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي الْخَبَرِيَّاتِ حَاكِمٌ فِي الْأَمْرِيَّاتِ". اهـ

وقوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ): حال مقيدة بها يحصل كمال الوصف على حد الإطناب بتوالي أوصاف المدح، بلا وصل بعاطف للتلازم الوثيق بين أوصاف الموصوف الواحد، أو هي جارية مجرى تذييل الملزوم بلازمه فحسن الفصل أيضا للتلازم الوثيق بينهما، إذ كونها ظرفا للهدى والنور: خبرا وحكما، علما وعملا، ذريعة إلى تصديق أخبارها وامتثال أحكامها، وهو ما فعله الأنبياء عليهم السلام فهم أولى الناس بالحكم بالتنزيل، إذ هم أعلم الناس به على حد التفصيل، وهم أصح الناس أفهاما، وأصدقهم إرادات، وأبلغهم مقالات، على ما اطرد من وصفهم، فلا يتصور بيان شرعي: علمي أو عملي أبلغ وأكمل من بيانهم. ووصفهم بـ: "الذين أسلموا": جار مجرى الإطناب في الثناء عليهم، بالتدرج من الأعلى إلى الأدنى، إذ وصف النبوة أعم من وصف الإسلام بداهة، فهو إسلام وزيادة، بل هو أعلى درجات الإسلام فلا يتصور بشر أكمل منهم إسلاما، فيكون السياق على وزان: أوصاف الأشراف أشرف الأوصاف، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالممدوح عند التحقيق هو: الوصف لا الموصوف، إذ نسبة الإسلام إليهم مئنة من كونه إسلاما خاصا ليس كإسلام آحاد البشر. فهو كنسبة الإسلام الخاص إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مقابل نسبة الإسلام العام إلى بقية الأنبياء عليهم السلام.

واللام في قوله: (لِلَّذِينَ هَادُوا): على تقدير: لأجلهم فهو منفعة في حقهم، وليس ذلك معنى خاصا بهم، بل هو عام في كل الشرائع المنزلة فهي رحمة لمن نزلت عليهم، وإن استثقلت النفوس التكليف بها على حد ما يعرض للبشر من ميل جبلي إلى الانفكاك عن حكم الشرع الملزم، فمن سدد ووفق فإنه لا يلتفت لذلك العارض الطارئ، إذ سرعان ما يزول بمعالجة لذة تصديق خبر الشارع، عز وجل، وامتثال حكمه، فتلك المشقة العارضة بمنزلة الابتلاء الذي يظهر به الصادق من الكاذب، فمن صبر على ألم البداية نال لذة وكمال النهاية، وليس ذلك إلا لمن اصطفاه الله، عز وجل، فخصه بمزيد عناية بها يحصل السداد في القول والعمل، وذلك من أجل ما سئل الرب جل وعلا.

وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ: على تقدير: وأولئك أيضا يحكمون برسم النيابة عن أصحاب الشرائع: نيابة استخلاف في العمل برسالاتهم: تصديقا وتقريرا لأخبارها، وإجراء لأحكامها، لا تحريفا وتبديلا لها بالزيادة والنقصان والنسخ تبعا لأهواء القساوسة والرهبان كما وقع في الأمم السابقة التي طغى فيها الباباوات طغيانا فاق طغيان الأباطرة، فأنزلوا أنفسهم منزلة النيابة عن المسيح الذي هو الرب أو الابن أو الأقنوم، على خلاف في هذيانهم، فلهم من التشريع ما لمقرر الشرائع فما عقدوه في الأرض لا يحل في السماء!، وإن كان على غير ما بعث به الرسل والأنبياء، وذلك في مقابل جفاء يهود الذين حظروا النسخ بالكلية إذ يستلزم على حد زعمهم البداء، وليس ذلك بلازم، بل هو مئنة من علم وحكمة الرب الشارع، عز وجل، إذ لكل أمة ما يلائمها من الأحكام، وشريعة الإسلام، كما عهد، في هذا الباب وفي كل أبواب الدين: علما وعملا: وسط بين طرفي الغلو والجفاء. فالنسخ فيها جائز، ولكنه ليس على حد التساهل الكائن في دين النصارى، بل له قواعد وضوابط من الدقة بمكان، أفردها أهل الأصول بالتبويب والتصنيف.

بمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير