تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فليس ذلك لكل أحد، إذ لا بد من إقامة الحجة الرسالية على المحكوم عليه، ولا يستقل بذلك إلا آحاد الراسخين في العلم على شروط وضوابط دقيقة في تكفير المعين ليس هذا موضعا لذكرها، فهي من الدقة بمكان، والأولى بنا الانشغال بتقرير عمومات الشريعة على حد التصديق والامتثال فذلك ما يعني المكلف بالدرجة الأولى إذ هو مسئول ابتداء عن دينه لا عن دين غيره، فالإفراط في هذا الباب بتحري الحكم على آحاد المعينين: تكفيرا أو تبديعا أو تفسيقا، وترك ما هو أولى من إحكام أصول العلم والعمل مظنة الخذلان بتضييع الأوقات فيما لا كبير جدوى فيه، فهو من باب الانشغال بالأدنى عن الأعلى، والأولى بالنظر والتدبر.

ولا يعني ذلك غلق هذا الباب رأسا كما وقع من المُفَرِّطين فيه في مقابل إفراط الأولين، على حد ما تقرر في السلوك الإنساني في رد الغلو بغلو، فمقابل غلو من أفرط في باب التكفير، ظهر من فرط فيه، حتى جعل غير المسلمين ناجين، فكل قد سلك طريقا إلى الجنة، وكل الطرق مؤدية إليها!، كما صرح غلاة أهل الطريق من الاتحادية، وظهر، أيضا، من يتوقف في تكفير من قامت الحجة عليه على حد القطع، من الزنادقة الذين استعلنوا بزندقتهم فقدحوا في أصول الدين التي يدركها عوام المسلمين وخواصهم، بل وصبيانهم وجواريهم!.

والحق وسط بين طرفين، فإنه لا يتصور دين بلا تكفير، فلا خير فيه إن كان على ذلك الوصف إذ لا حد يفصل بين أتباعه وأعدائه، والحدود الفاصلة بين الموافق والمخالف أمر متعارف عليه في كل الأديان بل وفي كل الطرائق والمسالك الأرضية، ففي الأحزاب، ولو كانت إلحادية، يفصل الأعضاء، ويوصفون أحيانا بوصف الخيانة العظمى إذا خالفوا مبادئ الحزب، فلكل حزب ديني أو دنيوي ما اصطلح على تسميته بـ: "الالتزام الحزبي"، فمن قصر فيه فهو مستبعد بل مقتول في كثير من الأحيان، لضمان انضباط بقية الأعضاء، وذلك أمر ثابت في الديانات التي هي معقد النجاة من باب أولى.

ولو أهمل المسلمون هذا الباب مداهنة لـ: "الآخر"، فإنه لن يرضى عنهم، على حد قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، بل نصوص دينه وإن كانت محرفة تحكم على مخالفه بالكفر والإلحاد والزندقة، على ما اطرد من انتصار كل ملة لموافقيها من مخالفيها بوسم الأولين بسمة: "الإيمان"، ووسم المخالفين بسمة: "الكفران"، فالتكفير واقع لا محالة، إذ هو فرقان بين الملل في دار الابتلاء، والله، عز وجل، يحكم بين عباده في ما كانوا فيه يختلفون في دار البقاء: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 10 - 2009, 02:53 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

فعدى الفعل: "كتبنا" بـ: "على": على تضمينه معنى الفرض، فالكتابة، عند من يقول بالمجاز في الكتاب العزيز، حقيقة في الكتابة المسطورة، مجاز في الأحكام المفروضة على حد الإيجاب الملزم،، ويرد على ذلك ما قرره أهل الأصول من كون ألفاظ الكتابة: نصوصا صريحة في الإيجاب الملزم فلا حاجة إلى القول بوقوع المجاز في الكتابة في نصوص الإيجاب بتضمينها معنى: "فرضنا"، إذ الكتابة من جهة الدلالة الشرعية باستقراء نصوص الكتاب والسنة: حقيقة في الفرض، إن كانت كتابة شرعية من قبيل: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ)، فهذا فعلها، و: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)، فتلك مادتها التي هي أصل الفعل وسائر المشتقات على الراجح من أقوال النحاة، فقد ناب المصدر في هذا السياق عن عامله، فهي على تأويل: كتب الله عليكم، وذلك بخلاف الكتابة الكونية من قبيل قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير