تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ" فالتفريق بين الشرع والكون في مادة: الكتابة والقضاء والجعل ... إلخ أصل جليل في باب القدر.

فكتبنا عليهم بقلم الشرع المنزل على حد التعظيم الذي دلت عليه: "نا" على ما اطرد مرارا من كون سياق التشريع سياق جلال يناسبه التعظيم، فإن الكتابة الشرعية على حد الإيجاب، والكتابة الكونية على حد النفاذ، صنوان لا يفترقان، فالأول من الألوهية الشارعة، والثاني من الربوبية النافذة، وكلاهما ثابت لله، عز وجل، على حد الكمال والانفراد، فانفرد، تبارك وتعالى، بأحكام الربوبية كونا، وانفرد بأحكام الألوهية شرعا، إذ لازم نفاذ أحكامه الكونية: وجوب الانقياد لأحكامه الشرعية، فـ: لا إله شارع إلا هو فرعا عن: لا رب خالق إلا هو، فهو الأعلم بما يصلح شأن خلقه، على حد قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فإذا تقرر ذلك: لزم الانقياد لحكمه الشرعي اختيارا، فالحكمة البالغة في الشرائع النازلة، فلا يخشى من امتثل أحكامها ضيقا أو حرجا، وإن ظهر له ذلك، بادي الرأي، لا سيما مع كثرة المشككين من الشياطين إنسا كانوا أو جانا.

وتعديته بـ: "في": استعمال للفظ في حقيقته، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ المكتوب ظرف الكتابة، فكتب، جل وعلا، في التوارة التي هي الظرف الحاوي لتلك الأحكام، فيكون ذلك جار على مجرى استعمال اللفظ في مجازه بمعنى الفرض إذ تعدى بـ: "على"، فذلك جار على حد التضمين، وحقيقته إذ تعدى بـ: "في". وذلك مما يرجح مذهب المجيزين لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه في سياق واحد.

فكتبنا عليهم في التوراة أن: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ: على حد المعاوضة، فالباء في: "بِالنَّفْسِ"، و: "بِالْعَيْنِ"، و: "بِالْأَنْفِ"، و: "بِالْأُذُنِ "، و: "بِالسِّنِّ".

وأطنب في معرض استيفاء أوجه القصاص التي تستوفى على حد الكمال إذ يمكن الوقوف على نهايتها، فالسن له نهاية فسن مقابل سن، والأذن لها نهاية فأذن مقابل أذن ............. إلخ. ثم ذكر ما لا يمكن الوقوف على نهايته من الجروح: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)، فاستوفى بذلك سائر أوجه القصاص: ما يمكن استيفاؤه تحديدا من النفس والأعضاء، وما يستوفى تقديرا من الجراحات.

وقال بعض أهل العلم بأن قوله تعالى: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ): عموم بعد خصوص، وإليه أشار البغوي، رحمه الله، بقوله: "فهذا تعميم بعد تخصيص، لأنه ذكر العين والأنف والأذن والسن، ثم قال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} أي فيما يمكن الاقتصاص منه كاليد والرجل واللسان ونحوها، وأما ما لا يمكن الاقتصاص منه من كسر عظم أو جرح لحم كالجائفة ونحوها فلا قصاص فيه، لأنه لا يمكن الوقوف على نهايته". اهـ

فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ: فذلك شرط قد سيق مساق الترغيب، على حد قوله تعالى: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ). ويرشحه الإتيان بلفظ "التصديق" فهو للمبالغة في الترغيب كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ: على حد ما تقرر في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فذلك شرط قد سيق مساق الترهيب، وما قيل في انقسام الكفر إلى: أكبر وأصغر يقال أيضا في انقسام الظلم إلى أكبر وأصغر، فمن الأكبر قوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، ومن الأصغر: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ).

والتذييل بهذا الوعيد مؤذن بوجوب التزام تلك الأحكام إذ من قرائن الإيجاب: الترهيب بالوعيد على تركها، فلا يكون وعيد على ترك مندوب أو مباح.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 10 - 2009, 06:21 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير