تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)

فذلك جار على حد ما تقدم من التعظيم بنسبة الفعل إلى "نا" الدالة على الفاعلين فالله، عز وجل، هو باعث الرسل يتبع بعضهم بعضا، على حد قوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى)، وهو مقرر الرسالات والشرائع التي أرسلوا بها.

فختم الله، عز وجل، النبوة في بني إسرائيل ببعثة المسيح عليه السلام، والحال: "مصدقا": مبينة لوصف رسالته فهي مكملة لما في التوراة من شرائع الجلال، فجاءت بما ترق له القلوب من الحكم والمواعظ وأحالت على الكتاب الأول في باب الأحكام فلم تنسخ منه إلا يسيرا على حد قوله تعالى: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، فجاءت بالتخفيف بعد التشديد، فرسالته، كسائر رسالات ونبوات بني إسرائيل فرع عن رسالة الكليم عليه السلام.

فقوله: وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ: بمنزلة التذييل لما تقدمه، فقفينا به وبالكتاب الذي أنزل عليه، وتنكير: " هُدًى "، و: "نُورٌ" جار على ما تقدم من التنكير تعظيما، ثم أطنب بالتكرار في معرض التوكيد على تبعية رسالة المسيح عليه السلام للكتاب الأول: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ.

وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ: فذلك إطناب آخر في معرض توكيد اشتمال الإنجيل الهدى العلمي والعملي، والموعظة القلبية التي امتازت بها رسالة المسيح عليه السلام، ولا زال قدر كبير منها كائنا في الإنجيل بعد وقوع التبديل والتحريف فيه، فالأخلاق والمواعظ ليست محل خلاف بين عقلاء الأمم فضلا عن الأمم التي عرفت النبوات وما قررته من محكم الشرائع والفضائل، وإنما وقع الخلاف في أصل الدين، إذ بدل الغلاة والطغاة أحكام التوحيد الصافية، فأحلوا قومهم دور التشريك والتثليث ........ إلخ من النحل الباطلة، ففسد الأصل وبه تفسد الفروع، فظهر فيهم من البدع العلمية والعملية ما الله به عليم، إذ لا ينفك فساد التصور عن فساد في الحكم، فلا تكاد تجد أمة أعرضت عن الوحي الصحيح الصريح وأقبلت على المقالات الحادثة والتمست لها من الوحي الصحيح متشابها ينصرها ولو على حد التعسف والتحكم المقيت، لا تكاد تجد أمة هذا حالها إلا ولها من فساد العمل الظاهر بقدر ما يعتري بواطنها من فساد في العلم الذي يسبق العمل في الوجود إذ هو المرقاة الموصلة إليه.

ونسبته للمتقين على حد ما تقرر في أكثر من موضع، من التعريض بمن لم ينتفع به بإثبات ضد وصف المدح بالتقوى له، فهو من الفاسقين عن أمر الرب، جل وعلا، وليس ذكر المتقين بمخصص لهم، وإلا سقط التكليف عن غيرهم، وإنما اختصوا بوصف المدح للنكتة السابقة، فهو هدى لهم ولغيرهم على حد البيان الذي يستوي فيه المقر والجاحد، ولكنه هدى لهم وحدهم على حد الإلهام بالانقياد والاتباع الذي به صلاح معاشهم الحالي ومعادهم الآتي.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 10 - 2009, 05:44 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

فذلك فرع عما تقدمه، على ما اطرد من التلازم الوثيق بين العلم والعمل، فأعلمهم في الآية الأولى بقدر الوحي المنزل على المسيح عليه السلام، ثم أمرهم في هذه الآية بامتثاله: تصديقا بخبره العلمي وعملا بحكمه العملي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير