تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 10 - 2009, 05:56 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)

فذلك جار مجرى الإطناب بالتكرار توكيدا لما تقدم في الآية السابقة، و: "أن" تفسيرية لقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ): فهو جار مجرى تذييل السبب بمسبَّبه، فذلك من التلازم بمكان، فما أنزلت الكتب لتتلى على حد: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)، وإنما لتتلى على حد: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، و: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فأنزل ليتدبره العقل فتعمل به النفس إذ به تحصل الهداية الدلالية، وبامتثال أحكامه تحصل الدلالة الإلهامية التي لا توجد إلا إذا شاء الرب، جل وعلا، وقوعها، على حد التفضل والامتنان كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع عدة.

فيكون تقدير الكلام: وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ أنْ احكم بينهم بما أنزل الله فاحكم بينهم به، فإجمال الإنزال قد فسره الأمر بتحكيمه على حد قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، ثم أعيد الأمر بالحكم ثانية مع تفنن في العبارة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

وجعل صاحب الكشاف، غفر الله له، "أن" في هذا السياق: مصدرية على تأويل: وأنزلنا إليك أن احكم، على حد عطف المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه، وهو مفرد، على: "الكتاب".

وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ: من باب النهي عن الضد فذلك لازم الأمر بالشيء، فأمره بامتثال أمر الشرع الواحد، واجتناب أهوائهم المتعددة التي دل عليها لفظ الجمع: "أهواءهم": وضعا، فإن العقول تتفاوت في إدراك وجه المصلحة، بل غالب ما تدركه من المصالح: مصالح آنية قد يتولد منها مفاسد أعظم باعتبار المآل، بل ربما كانت مصالح متوهمة لمصادمتها أحكام الشرع على حد ما قرره الأصوليون في باب القياس من إهمال المناسب وإن ظهر فيه، بادي الرأي، وجه حكمة إذا خالف النص الشرعي، فذلك كفيل بإلحاقه بالملغي فلا اعتبار له، إذ كل ما خالف الشرع فهو هدر وإن اعتبره من اعتبر من الأذكياء، فليست العقول، وإن عظم ذكاؤها بحكم على الشرع المنزل، بل الشرع المنزل هو الحكم عليها، فهو الذي جاء بتقرير قياسها الصريح الذي لا يخالف النقل الصحيح، على حد قوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، فلو توجه طعن العقل إلى النقل، فإنه بذلك يطعن في دلالته، إذ طعن في الدليل المعتبر له، فلم يتول العقل منصب التدبر والنظر إلا بتفويض من الشرع، فلو طعن في المتبوع المُوَلِّي، توجه الطعن إلى التابع المُوَلَّى بداهة، وإذا استحسن عقل زيد شيئا واستقبحه عقل عمرو وتوقف فيه عقل بكر ......... إلخ تعددت الأحكام بتعدد العقول فلا حكم يفصل بينها النزاع إلا الوحي النازل من السماء، إذ أنزله الذي يعلم السر، فهو العليم الحكيم الذي أحاط بكل المعلومات على حد التفصيل، وأحكم خلق كل شيء على حد الإيجاد والتدبير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير