تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأكد ذلك الوعيد بإصابتهم ببعض الذنوب إذ من شؤم المعصية استتباعها بمعصية أخرى، فإذا عطل حكم أو حد شرعي جاءت العقوبة بمزيد تول عن الشرعة الإلهية، فيظنه الظان كسبا حضاريا كحال العلمانيين الذين يهللون لأي خرق لأحكام الشرع، وهو في حقيقته، لمن نظر واعتبر، عقوبة كونية ترتجف لها قلوب ذوي البصائر من الصالحين على حد حديث أم سلمة رضي الله عنها: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ، فإن العقوبة الكونية عامة لا تستثني صالحا من طالح، بل يبعث كل على نواياه، وما ربك بظلام للعبيد: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، و: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).

وأكد ذلك الوعيد بـ: "ما" المزيدة في: "إنما" فضلا عن دلالة المضارع: "يريد" على التجدد والاستمرار فذلك أدعى إلى مراقبة أوصاف جلال الرب، جل وعلا، باستدفاع آثارها ولا يكون ذلك إلا بنبذ ما يخالف الوحي المنزل، واستجلاب آثار صفات جماله ولا يكون ذلك إلا بامتثال رسالاته الهاديات إلى رسله عليهم السلام: أخبارا بالتصديق وأحكاما بالتنفيذ، فالنبوات، كما تقدم مرارا، سبيل النجاة المهيع في كلا الدارين فهي أمان في دار التكليف على حد قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فما كان ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان ليعذبهم وهم له مستغفرون وبأمر دينه قائمون.

وهي أمان في دار الجزاء على حد قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، و: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ): فالباء للسببية لا للعوض إذ لا عوض يكافئ نعمة واحدة من نعم الرب، جل وعلا، ولو كانت من نعم الدنيا الزائلة، فكيف بالنعمة الباقية؟!. فالله، عز وجل، قد امتن عليهم بخلق السبب فيهم فقامت الطاعة بهم قيام الفعل بفاعله، ثم امتن عليهم بجزاء ما خلقه فيهم من الإرادات النافعة والأعمال الصالحة، فامتن عليهم انتهاء بجزاء ما امتن عليهم ابتداء!، فله المنة في الأولى والآخرة.

ويقال ذلك أيضا في: "أَنْ يُصِيبَهُمْ": فـ: "أن" تمحض ما بعدها للاستقبال، فتلك الإصابة بمقتضى الأمر الكوني النافذ مطردة متجددة بتجدد سببها من التولي عن حكم الشرع الملزم، فإذا وجد السبب وجد المسبَّب لزوما على حد ما تقدم من جريان السنن الكونية في إتقان بديع وإحكام متين.

ثم ذيل بقوله: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ: ففيه اعتراض تذييليٌّ مقررٌ لمضمون ما قبله، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، ولا يخلو من معنى العلية لما تقدمه فإن فسوق كثير من الناس بمقتضى الإرادة الكونية سبب إعراضهم عن الطريقة الشرعية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 10 - 2009, 06:16 م]ـ

ومن قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ):

فذلك من الاستفهام الإنكاري التوبيخي لما وقع منهم بالفعل، على حد قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، فزعموا الإصلاح وفعلهم مادة الفساد بالإعراض عن الشرع المنزل مادة كل صلاح للأديان والأبدان، فلا الدنيا حصلوا إذ ساسوها على غير نهج النبوة، ولا الآخرة استبقوها، إذ استبدلوا العاجل الخسيس بالآجل النفيس، وتلك تجارة السذج الجاهلين، لا المهرة العالمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير