ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 10 - 2009, 03:14 م]ـ
ومن قوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
فهذا حال المنهزمين المخذولين في كل عصر ومصر، ولعل حال ملوك الطوائف الأندلسية، ومن سار على طريقتهم من ملوك الطوائف العربية، خير شاهد على ذلك، فجاء ذكرهم بالموصول فذلك آكد في تقرير وصف الذم الذي دلت عليه صلته، على ما اطرد مرارا من تعليق حكم المدح أو الذم على الوصف الذي اشتقت منه الصلة، وقدم متعلق خبر جملة الصلة: "في قلوبهم": إشعارا بعظم الداء إذ أصاب أشرف الأعضاء، فالقلب ملك الأعضاء، فإذا أصيب بالمرض المتلِف، فتلف ما دونه ثابت من باب أولى، إذ فساد القوى العملية في الجوارح فرع عن فساد القوى العلمية في القلب.
ونكر المرض مئنة من عظمه، ففي قلوبهم مرض عظيم، إذ قد زيد لهم فيه على حد قوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) جزاء وفاقا، إذ انشغلوا بضد أسباب العافية، فعوقبوا بتوالي أسباب المرض على قلوبهم، فالمشتغل بالمعصية متلبس بضد ما أمر به، فكان من عقوبته أن يسر الله، عز وجل، له أسباب المعاصي، فازداد تلفا وهو يظن أنه يحسن صنعا.
والمفعول الثاني لـ "ترى" العلمية أو الحال من مفعول "ترى" البصرية: "يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ": قد جاء على حد المضارعة استحضارا لتلك الصورة المرذولة، ومئنة من تجددها واستمرار اتصافهم بها فذلك آكد في الذم والتنفير.
والدائرة قد نكرت أيضا مئنة من التعظيم في معرض احتجاجهم الباطل بسلطان العدو النافذ، فإن ذلك لا يبرر الانبطاح الكامل أمامه، بل غايته أن يسوغ مهادنته وملاينته بما لا يقدح في الملة، فهو على حد المداراة المشروعة لا المداهنة الممنوعة.
وعسى في التنزيل واجبة، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ: فذلك آت لا محالة تصديقا للموعود الرباني: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، ويومئذ يندم من أسر النفاق، ومن أظهر الكفر والارتداد من باب أولى، فتلك من النكاية العاجلة في الدار الأولى قبل معالجة العذاب على حد التأبيد في الدار الآخرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 10 - 2009, 06:08 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ)
على حد المضارعة استحضارا للصورة، كما تقدم مرارا، فيقول الذين آمنوا في معرض تبكيت اليهود إذ ركنوا إلى نصرة المنافقين الذين أقسموا لهم بأغلظ الأيمان: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، فكان مثلهم كمثل: (الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
فقسمهم على حد التوكيد بالمفعول المطلق المبين لنوع عامله على حد قولك: مشى فلان القهقرى، فأيمانهم على حد الجهد مئنة من القوة والشدة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
¥