تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والاستفهام جار مجرى الإنكار الإبطالي لما بعده، إذ خذلوهم بعد أن وعدوهم النصرةَ والتأييدَ، ولا يخلو من معنى التحقير من شأنهم، على حد قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)، في معرض حكاية الكفر، فليست حكايته كفرا، إذ التحقير من شأن الرسل، عليهم السلام، من نواقض الملة.

فأقسموا على حد التوكيد وأكدوا المقسم عليه بـ: "إن" واللام المزحلقة، فذلك مما يلائم دلالة القسم التوكيدية، فأكدوا بالمؤكد الناسخ واللام الداخلة على خبره بعد أن أكدوا بالقسم ابتداء، فكان خذلانهم أفحش، إذ الدعوى القولية: عريضة، والتصديق العملي لها: حقير يلائم حقر نفوسهم ودنو همهم.

وكان عاقبة أمرهم: حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ: على حد الاستئناف سواء أكان ذلك من كلام الله، عز وجل، فيكون حكما مؤكدا نافذا لعصمة خبر الشارع، عز وجل، من الكذب بداهة، أو من كلام المؤمنين فيحكمون بما ظهر لهم من حال أولئك والله يتولى السرائر، فإن أحكام الدنيا إنما تكون تبعا لظاهر الحال، والباطن موكول إلى العليم الخبير بالدقائق، جل وعلا، فمن أظهر الإيمان حكم له به ورجي له الخير، ومن أظهر الكفر أو النفاق أو الزندقة أو الإلحاد حكم له بما يليق بحاله، وظن به الشر، ولا يلزم من كلا الأمرين وقوعه في نفس الأمر، فقد يكون مؤمنا في الظاهر منافقا في الباطن لم يظهر شيئا يدل على نفاقه فلا يتكلف المرء البحث عن أحوال غيره، ما لم يظهر منه ما يناقض ظاهره، فالأولى به الاشتغال بحاله وترك السرائر لمن يعلم السر وأخفى، وإنما يكون البحث إذا أظهر المنافق طرفا من مكنون صدره على لسانه، فكيف إذا جاهر بالردة كحال كثير من المنافقين بالأمس الذين قويت شوكتهم اليوم بتراجع أهل الإيمان وتشجيع الكفار الأصليين للمرتدين على إظهار ردتهم نكاية في الموحدين كحال رأس الفاتيكان المخذول الذي احتفى بتعميد أحد المرتدين، وبث ذلك على الهواء مباشرة زيادة في المساءة داعيا المسلمين إلى الحوار!، الذي يعني باصطلاحهم: تقريب أهل الإيمان إلى الكفر ولا عكس، فهو تخريب لعقائد الموحدين أو أهل السنة يسير في اتجاه واحد! على حد ما نراه في مؤتمرات "التخريب": للملة مع الكفار الأصليين، أو للنحلة مع أهل البدع المغلظة.

وفي المقابل قد يكون كافرا في الظاهر قد كتم إيمانه كحال كثير من المسلمين باطنا من المستضعفين من النصارى الذين يخشون سطوا طواغيتهم إذ استعلنوا بإيمانهم لا سيما مع تخاذل أهل الإيمان عن نصرتهم بل وإسلامهم إلى أولئك ليفعلوا بهم الأفاعيل طلبا لمودتهم في ظل غطاء الوحدة الوطنية الفاضح لعورات الفريقين المغلظة!.

الشاهد أن تلك مقدمة قد عطفت عليها النتيجة لزوما: فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ. فالحبوط سبب الخسران، فالأول: ملزوم، والثاني: لازم، والتلازم العقلي الوثيق بينهما على حد صدور اللازم من ملزومه صدور الفرع من الأصل، ذلك التلازم من الوضوح بمكان.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 10 - 2009, 05:44 م]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ):

فالشرط قد سيق مساق التهديد بسنة الاستبدال الكونية، سنة: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فجاء التذييل بإطناب مستفيض في معرض بيان الوعيد تنفيرا من الوصف الذي علق عليه حكم الذم بحبوط الأعمال في الدارين ولازمه من الخلود في العذاب على حد القصر بتعريف الجزاين فضلا عن التوكيد بضمير الفصل زيادة في المساءة والنكاية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير