تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشرط في آية المائدة: دليل على أن من الموالاة ما يخرج صاحبه عن دائرة الإسلام بالكلية، كمن يوالي المشركين ركونا إلى دينهم، ورضا بطريقتهم، فلا يكفرهم، بل يصحح طريقتهم على وزان: وحدة الأديان، فهي كأنواع السياسات تتفاوت من أمة إلى أخرى ومؤداها تحقق المصلحة بالنجاة وإن تعددت الطرق، وذلك في الإلهيات التي لا تقبل التعدد، بل لا تقبل النسخ إذ لازمه تكذيب خبر الشارع عز وجل، ذلك في الإلهيات: عين المحال. أو يواليهم في حربهم المسلمين، فيظاهرهم على أهل الإسلام، فهو مرتد، وإن كان مصدقا بقلبه، إذ قد ارتكب ناقضا عمليا لعرى الملة.

وفي السياق: إطناب بالتقسيم، بحصر أوصاف أولئك القوم الذين سيأتي بهم الله، عز وجل، عوضا من المرتدين والمتخاذلين، فوصفهم: يحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ: فيحبهم بوصفه القائم بذاته، محبة تليق بجلاله، ويحبونه فرعا عن اصطفاء الباري، عز وجل، لهم بذلك، فالاستقامة أعظم كرامة، وحبه، عز وجل، أجل وأصح حب متصور، إذ هو المحمود لذاته، فيستحق أن يحب لكمال وصفه، وإن لم يصل المكلف من آثار حمده شيء، فكيف وهو يتقلب في نعمه الكونية والشرعية، فلا ينفك عن نعمة من دين أو دنيا؟!، فمحبته أصل، ومحبتهم فرع، على وزان قوله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، وقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)، فهم باقون فرعا عن إبقائه، فهو المتصف بالبقاء الذاتي الأبدي، والإبقاء لغيره إذا شاء بوصل أسباب الصلاح وقطع أسباب الفساد، قائمون فرعا عن قيوميته، فهو القائم بذاته المقيم لغيره.

أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ: مقابلة تعلق فيها الحكم على الوصف: فذلك مئنة من كونه علته، فعلة الذل: الإيمان القائم بالمفعول، والذل من الأحوال القلبية التي لا تكون على وجه التعبد إلا لله، عز وجل، وإنما ذلوا للمؤمنين لما أمرهم من ذلوا له تعبدا بالذل لهم ترفقا، كما سجدت الملائكة لما أمرهم من سجدوا له تعبدا بالسجود لآدم تكريما وتعظيما.

وفي واقعنا المعاصر تجد كثيرا من المنتسبين إلى الدين والعلم وليسوا من أهله في شيء، قد عكسوا الأمر فهم على أهل الدين أعزة جفاة غلاظ الكبد قساة القلب تستطيل ألسنتهم على من التزم أحكام الشرع، وعلى أهل المعصية بل على الكفار الأصليين أذلة يعطون الدنية في دينهم فلهم الضحكات السمجة والقبلات الحارة والأحضان الدافئة، ولأهل الإسلام قلة الأدب في القول والفعل إلى حد السفالة في أحيان كثيرة، وكل إناء بما فيه ينضح.

يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ: فالجهاد من آكد صور الولاية الإيمانية، فهو حال تقوم بالبدن ذبا عن عقد قلبي سابق، فيكون تبعا لما قام بالقلب من تصور.

فالفصل بينهما لشبه كمال الاتصال بينهما إذ الثاني لازم الأول، فالسياق سياق إطناب بذكر أوصاف أولئك القوم: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"، "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"، "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ": فكلها على حد الفصل للتلازم الوثيق بين الموصوف وصفاته المتتالية، فضلا عن التلازم بينها، فإن المحب لله: محب لما أمر به من اللين لأهل الإيمان والغلظة على أهل الكفران، والجهاد في سبيله فهو، كما تقدم، من آكد صور المحبة في الله للمؤمن، والبغض في الله للكافر، فلا دليل على بغضه أصدق من مجاهرته بالعداء ومجاهدته بالحجة والبرهان والسيف والسنان، وكل دعوى تفتقر إلى دليل، وكلما عظمت الدعوى عظم الدليل اللازم لإثباتها، فقد ادعى قوم حب الله، عز وجل، فابتلوا بـ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير