تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقد جاء عقيب ذلك الأمر فكان جاريا مجرى طباق السلب، إذ أمر بالاتخاذ ابتداء ثم ثنى بالنهي عنه لاختلاف المتعلق، وهو، أيضا، جار مجرى ما قد أشير إليه مرارا من كلام الشاطبي، رحمه الله، من اقتران المتضادات في السياق الواحد فذلك آكد في البيان، إذ تعريف الشيء بضده يزيده وضوحا، فدلالته على نفسه دلالة منطوق، ودلالة ضده عليه دلالة مفهوم، فاجتمعت له الدلالتان منطوقا في اللفظ ومفهوما في المعنى.

فـ: لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا: فذلك مجمل قد بينته: "من" البيانية الجنسية التي دخلت على أجناس المستهزئين من: الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ: وقد يقال بأن معنى التبعيض فيها معتبر إذ ليس كل كتابي أو كافر مستهزئا بدين الإسلام، بل قد يكون ممن يشمله قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فلا يستوي كافر مسالم وآخر محارب قد حمل سلاحه لحرب الملة أو أظهر التنقص بها والقدح فيها من أهل الذمة كما هو حال كثير من أهل الكتاب في الدول الإسلامية عموما ومصر خصوصا ممن استحقوا نقض الذمة وإراقة الدم انتصارا للدين، ولكن ما من إمام ينتصر، إذ لا يقدر الأفراد على استيفاء تلك الحدود الشرعية فهي موكلة إلى الأئمة لا إلى أفراد الرعية درءا للمفسدة العامة بشيوع الهرج بلا حكم شرعي قضائي نافذ يملك صاحبه استيفاءه، فالشاهد أن الأول: يجادل بالحجة والبرهان، والثاني: ينازل بالسيف والسنان، ولكل مقام مقال.

ولـ: "من" معنى لا تنفك عنه من ابتداء الغاية، فالنهي عن اتخاذ أولياء منهم يؤول إلى النهي عن ابتداء غاية الولاية منهم، فيكون من باب النهي عن مبادئ الشيء فهو دال لزوما على النهي عن الشيء، من باب سد الذريعة الموصلة إليه.

وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: فذلك من عطف العموم على الخصوص، إذ عدم اتخاذهم أولياء داخل في التقوى دخول الفرد في عمومه، أو هو من عطف السبب على مسبَّبه، إذ التقوى باعثة على اجتناب ولايتهم.

والشرط في قوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): قد سيق مساق الإلهاب والتهييج على امتثال الأمر، فصدر بالأمر وذيل بالإلهاب على امتثاله فذلك من التدرج العقلي إذ يرد الأمر على ذهن خال ثم يرد التوكيد عليه مئنة من لزوم الامتثال.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 10 - 2009, 02:50 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)

ففي الإتيان بـ: "إذا": مئنة من التكرار، الذي تعظم به الجريمة بخلاف: "إن" التي تدل على ندرة وقوع شرطها، فوصفهم الدائم، كما هو مشاهد، لا سيما في عصور الضعف والانحسار، الاستهزاء بالدين وأهله، ونصرة من يتلبس بذلك ممن يظهرون الإسلام وليس لهم فيه نصيب على وزان قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، فذلك وصف أذنابهم الذين يستأجرون استئجار الدواب لحمل بضاعة القوم الردية من الشبهات والطعون في الملة الحنيفية، وتلك، على ما فيها من آلام، محن تظهر بها معادن المكلفين، على حد قوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فيميز الله، عز وجل، بتلك البلايا النازلات القلوب الخبيثات من القلوب الطيبات، فإن أزمنة القوة مظنة خفاء أولئك، فلا يكون نفاق إلا في مجتمع إسلامي متماسك، فإذا زال سلطان الشرع أو ضعف استعلن أولئك بنفاقهم، فاستدرجوا بكيد الرب، جل وعلا، المتين، لإظهار ما قد سبق في علمه، عز وجل، المحيط، من شقاوتهم بالطعن في الدين ورد التنزيل والقدح في مقام النبوة، والقدح في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير