تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 10 - 2009, 04:53 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ)

فـ: "إذا" على ما اطرد من دلالتها التكرارية، فكذبهم في ادعاء الإيمان أمر مطرد، وذلك آكد في ذمهم.

ودعواهم الإيمان: دعوى باردة إذ هي محض قول قد خلا عن أي مؤكد: "آمنا".

ولذلك جاء التذييل بحالين مؤكدين بـ: "قد"، وخصت الثانية بالتوكيد بضمير الفصل: "هم"، توكيدا على استمرار تلبسهم بوصف الكفر، إذ قد يظن ظان أنهم بدخولهم على المؤمنين قد مالت قلوبهم إلى الإيمان بما يسمعون من المواعظ والآيات.

فكفرهم مستغرق للزمانين وما بينهما كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

ثم جاء التذييل في معرض الوعيد بقوله تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ)، فيعلم ما انطوت عليه نفوسهم من الكفر وإن أظهروا خلافه، فغايتهم أن ينزلوا منزلة المؤمنين في أحكام الظاهر مع كونهم كفارا في الباطن مخلدين في العذاب إن ماتوا على ذلك.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 10 - 2009, 05:34 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

على حد الرؤية البصرية لظهور أمرهم، أو الرؤية القلبية، على حد العلم بحالهم، والأول آكد في الذم، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ حالهم قد ظهر لكل ذي بصر، وعليه تكون جملة: "يسارعون": حالا، وعلى القول بأن الرؤية قلبية تكون: مفعولا ثانيا على ما اطرد في تلك المواضع المحتملة لكلا النوعين من الرؤية، وقد يقال بأنه لا مانع من الجمع بين كلا المعنيين، إذ مادة الرؤية تدل على معنى الإدراك الكلي، وهو معنى يقبل الانقسام إلى الإدراك الحسي بالباصرة، والإدراك المعنوي بالبصيرة، فيكون الاشتراك بينهما على حد الاشتراك المعنوي، لاندراجهما تحت عموم معنوي جامع لهما اندراج الخاص تحت العام فهما فردان من أفراده، فيكون حالهم قد ظهر حسا لكل ذي بصر، وظهر معنى لكل ذي بصيرة، وقد يصح ذلك دليلا لمن قال بدلالة المشترك على كلا معنييه في آن واحد إن احتملهما السياق فهو، كما تقدم مرارا، الأصل في مثل تلك المضائق، إذ به يعرف مراد المتكلم فيكون تأويل اللفظ المحتمل لأكثر من معنى تابعا له.

ومجيء الحال مضارع: يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ: مئنة من استمرارهم على ذلك الوصف القبيح، فهو آكد في ذمهم، فهم على حد المفاعلة التي تدل على نوع منافسة في تحصيل القبائح، بخلاف ما اطرد من حال العقلاء من المسارعة في الفضائل على حد التنافس في نحو قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).

فيسارعون في كل إثم من قول أو عمل، كما ارتضى ذلك التأويل صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وخص بعض المحققين الإثم بالفساد العملي في مقابل الإفك الذي يؤول بالفساد العلمي، في نحو قوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)، وقد يقال بأن هذا من دلالة الافتراق والاقتران، فإذا اقترنا اختص كل بجانب من الفساد، وإذا افترقا عم كل منهما كلا الجانبين فيكون: الإثم في نحو قوله تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) عاما للقول والعمل إذ قد ورد منفردا عن الإفك، بخلاف الإثم هنا، فإنه وإن انفرد إلا أن السياق قد دل على إرادة القول دون العمل لقرينة قوله تعالى: (قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ)، في الآية التالية، فأريد به الكذب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وعطف العدوان عليه استيفاء لأوجه الظلم فهو ظلم للنفس بالقول والعمل الفاسد، وظلم للغير بالتعدي عليه، فذلك جار على ما تقدم من توكيد الذم لهم باستيفاء أوجهه المحتملة، ففساد يدرك بالبصر والبصيرة، وفساد في القول والعمل، وفساد في النفس وفي الغير!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير