تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأصل ذلك الفساد في التصور العلمي فهو الذريعة إلى كل فساد عملي في النفس أو الغير.

وقد ذكر أبو السعود، رحمه الله، عدة تفسيرات لقول الإثم من قبيل: الكذبُ على الإطلاق، وقيل: الحرام، وقيل: كلمةُ الشرك وقولُهم: عزيرٌ ابنُ الله، وهي جارية مجرى تفسير العام بذكر بعض أفراده، فاختلافها اختلاف تنوع لا تضاد إذ عموم الإثم القولي يشملها وسائر صور الكذب والبهتان، فلا يخصص بذكر أحدها إذ قد وردت في معرض التمثيل لتقريب معناه إلى الأذهان، أو لكونه أليق بحال المخاطب.

ثم أفردت صورة: وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ: بالذكر على حد إيراد الخاص بعد العام في معرض الذم تنبيها على شدة قبحه، ولو كان السياق سياق مدح لكان تنبيها على حسنه، وقد يقال بأنه من عطف السبب على مسبَّبه، إذ ما حملهم على الكذب إلا أكل الحرام، على حد قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، و: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

وهو أمر لا يقتصر على أحبار يهود بل قد شاركهم فيه المتهودون من علماء هذه الأمة ممن طرقوا أبواب السلطان طرق السائل، فاستحقوا النهر والزجر على خلاف ما شرع من النهي عن نهر السائل، إذ سؤالهم: سؤال دنيا غيرهم بدينهم، وذلك من الخسة بمكان.

ثم جاء التذييل بأسلوب ذم قياسي: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، مقترنا بلام الابتداء المؤكدة، فهو من باب التذييل المعنوي للذم المتقدم، بل هو آكد إذ صيغته، كما تقدم: صيغة قياسية.

والخطاب في صدر الآية عام، وإن اختص به النبي صلى الله عليه وعهلى آله وسلم مواجهة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 10 - 2009, 02:47 م]ـ

ومن قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

فذلك جار مجرى التحضيض لدلالة السياق على الزجر فهو مظنة الحض على الفعل، ويؤيده ما اطرد من دلالة: "لولا" اللفظية الوضعية على الطلب والحض إذا جاء بعدها فعل، على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ)، أي: هلا تذكرون فذلك حث على الطاعة، و: (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً)، في معرض التبكيت والتعجيز، وقوله تعالى: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) في معرض التعجيز باقتراح الآيات فليس مرادهم من ذلك التثبت، بل هو من التكلف، وقوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)، في معرض الحض على الإيمان على تقدير: فهلا وجدت قرية آمنت فينفعها إيمانها كما نفع قوم يونس إيمانهم؟!، ولا يخلو من تعريض بالأمم المكذبة.

بخلاف ما لو جاء بعدها اسم صريح أو مؤول فتكون دلالتها دلالة الامتناع للوجود، على حد قوله تعالى: (لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)، فامتنع الخسف لوجود منة الله، عز وجل، عليهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير