تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلق النهي بمن هم مظانه من الربانيين والأحبار فهم حملة العلم الذي به يعرف الحلال والحرام، فلا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إلا عالم بحكم ما ينكره، فإذا كان من المحرمات الظاهرة اتسعت دائرة الإنكار إن كان للمنكر سلطان، فإن ضعف عن التغيير بيده فبلسانه، فإن خاف وقوع مفسدة معتبرة تفوق مصلحة إزالة المنكر ولو باللسان، أو خشي على نفسه التلف وغلب على ظنه الجزع فلا يصبر على الأذى في النفس، وهذه حال غالبة في أزمنة الغربة، فليسعه الإنكار بقلبه معذرة إلى ربه، فذلك أضعف الإيمان، والقدرة مناط التكليف، وليس ذو السلطان الممكن كمن لا سلطان له، فضلا عمن هو مستضعف لا يملك في أحيان كثيرة الدفع عن نفسه!.

وجاء النهي عن: عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ، في معرض التمثيل لأجناس المنكر فلا ينفك عن منكر علمي بفساد القول، فهو على حد الإثم وذلك مئنة من فساد العلم الباطن، أو منكر عملي من صوره أكل السحت، فذلك مئنة من فساد العمل الظاهر، ولا ينفك ذلك الفساد في الحكم الظاهر عن فساد في التصور الباطن، إذ لو صح تصوره ما قدم لذة أكل العاجل، ولو على حد الخبيث، على لذة أكل الآجل على حد الطيب، فإنه لا ينفك عن طلب اللذة، فتلك قوة إرادية قد ركزت في كل نفس حساسة متحركة، ولكن الفساد قد طرأ عليه من جهة الاغترار باللذة العارضة التي يعقبها من المرارة ما يذهب أثرها الطارئ، وتلك حال كثير من مباشري أسباب اللذة المحرمة، إذ يعقبها من الندم وضيق الصدر وكثافة الطبع ما ينسي صاحبها لذتها، وإنما يعاودها مرة أخرى هربا من ذلك الضيق فيزداد ضيقا على ضيقه، فذلك من استدراج الشيطان للعصاة، فأثر المعصية في الروح كأثر المخدر في البدن، يولد نشوة عارضة يعقبها ألم وفتور، فيتشوف المدمن إلى رفعه بجرعة جديدة تزيد الداء استحكاما، فيصير الشفاء أعسر بتوالي جرعات المخدر، فكذلك القلب إذا توالت عليه جرعات المعصية صار شفاؤه أعسر لتمكن الداء من قلبه سواء أكان شبهة علمية، وهي الأخطر، أم شهوة عملية.

وفي الآية ذم لهم على ما اطرد من ذم التنزيل لعلماء السوء الذين يصدون عن السبيل بأحوالهم الفاسدة وفتاواهم المضللة، فحالهم يزهد الناس في بضاعتهم، مع نفاستها، وفتاواهم تهون مباشرة المحرمات على النفوس على طريقة المقلدة من أصحاب الأهواء الذين يلقون التبعة على صاحب الفتوى، وإن حاك الإثم في صدورهم، فهم على يقين جازم أو شك راجح من بطلان مقالته.

ثم جاء التذييل بذم قياسي: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) على غرار ما تقدم في الآية السابقة، والذم هناك على أمر وجودي، والذم هنا على أمر عدمي هو: ترك النهي عن المنكر، وبه استدل جمع من الأصوليين على أن الترك، وإن كان كفا عدميا إلا أنه داخل في حد الفعل، فهو على حد الصوم الذي هو كف، ومع ذلك عد طاعة وجودية تعلق بها الثواب، فكذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو كف جار مجرى المعصية الوجودية التي يتعلق بها الذم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 11 - 2009, 05:02 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)

فذلك من العموم الذي أريد به الخصوص إذ قالته طائفة منهم فـ: "أل" في "اليهود": جنسية لبيان الماهية لا الاستغراق، فجنس من قال تلك المقالة الردية هو من جنس أتباع الملة اليهودية، فلا يعم كل يهودي، وإن لم تصدر تلك المقالة إلا عنهم، فذلك باعتبار المجموع لا الجميع، وإن لزم الجميع من جهة عدم تبرؤهم منه ومن قائليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير