تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 11 - 2009, 06:01 م]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

ففي ندائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصف الرسالة تشريف له هو له أهل، وفيه إشارة إلى ما يليه من الأمر بالبلاغ، فذلك أمر يتعلق بالرسول الذي يؤدي رسالة مرسِله كما هي بلا زيادة أو نقصان، وهو الذي فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاء بلاغه للفظ وبيانه للمعنى على أكمل وجه فما ترك من خير في أصل أو فرع إلا دل عليه، وما ترك من شر إلا حذر منه، فأبان لأمته عن مصادر التلقي من أدلة الأحكام الكلية، وأبان لهم عن مسالك الاستنباط للأحكام الجزئية والاستدلال لها، بما وقع في عصر النبوة من النوازل التي قاس عليها الأصحاب، رضي الله عنهم، ومن أتى بعدهم، النوازل الحادثة، فالقرآن قد جاء به، والسنة قد أرشد إلى حجيتها، والإجماع قد أشار إليه بقوله: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وله طرق يتقوى بها، والقياس قد دل عليه واستعمله في نحو حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "جاء رجل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: «لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه عنها؟» قال: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يقضى"، فقاس دين الباري، عز وجل، على دين الآدمي قياسا أولويا.

والأمر بالبلاغ قد أطلق عن التقييد بمبلَّغ بعينه مئنة من عموم البلاغ فرسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم عالمية للثقلين.

و: "من" في: "من ربك" لابتداء الغاية، وابتداؤها من الله، عز وجل، مئنة من شرفها، إذ شرف الصادر من شرف من صدر منه، فقد تكلم، عز وجل، بالوحي المنزل فسمعه جبريل عليه السلام فنعم الرسول الملكي إلى خير رسول بشري، بخير وحي إلهي.

وقوله: "وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ": جار مجرى الفرض العقلي المحض بدليل تصديره بـ: "إن" المشعرة بندرة وقوع الشرط.

فغاية ما يقال أنه تحفيز لهمته صلى الله عليه وسلم ليصبر على ما يلاقي من عنت قومه، أو يقال بأن الخطاب إنما هو لبيان مقادير الأعمال، بتعليقها على شرط يتصور وقوعه من غير المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فغيره من البشر الذين ورثوا رسالته قد يقع منهم نوع تقصير أو تكاسل عن أداء الرسالة، بل قد صار ذلك الغالب في زماننا!، فيكون التحذير في الآية في حق أمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يدخل فيه لقرينة العصمة، وإنما خوطب به صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواجهة بوصفه الرسول المبلغ عن ربه، وخوطبت به أمته على جهة الإلزام، فهو في حقه: خطاب مواجهة، وفي حقها: خطاب إلزام، وذلك أمر مطرد في مواضع من التنزيل من قبيل:

قوله تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ)، فالشرك في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محال فنزل ذلك منزلة خطابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم باللفظ مواجهة، وإرادة غيره بالمعنى إلزاما، فهو على حد ما تقدم من بيان مقادير الأعمال فمن دعا من دون الله، عز وجل، ما لا ينفعه ولا يضره فحكمه أنه ظالم فتلك قاعدة كلية لا مخصص لها، والأنبياء خارجون عن حدها ابتداء لقرينة العصمة.

وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فتلك أيضا قاعدة كلية: من أشرك فعمله حابط وهو من الخاسرين، والأنبياء، عليهم السلام، خارجون عن حدها لما تقدم من قرينة العصمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير