تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعطف العمل الصالح على الإيمان من باب: عطف الخاص على العام على ما اطرد من دخول الأعمال في مسمى الإيمان دخول الجزء في الكل، أو المتضمَّن في المتضمِّن، فدلالة الإيمان على العمل: دلالة تضمن، إذ الإيمان جنس كلي تندرج تحته أنواع الاعتقاد والقول والعمل، اندراج الأفراد الخاصة تحت العام الشامل لها فهي جزء من ماهيته، وفي السياق إيجاز بالحذف على ما اطرد في مثل هذه المواضع، فتقدير الكلام: وعمل عملا صالحا، فحذف المصدر وناب عنه وصفه، إذ هو محط الفائدة، فالمسألة من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة محله على ما اطرد في نحو قوله تعالى: (اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي: دروعا سابغات.

ثم جاء الحكم المسند: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، على حد نفي الجنس، إذ تسلطت لا النافية للجنس على وصفي: الخوف، والحزن، فأفادت نفي عمومهما، وتكرر النفي توكيدا، واستوفى لفظ المسند شطري القسمة العقلية في معرض البشارة، وتهدئة الخواطر، فلا خوف من ماض تقدم، ولا حزن خشية فوات محبوب آت، وتلك أسباب الغم في الدنيا فلا تنفك نعمة عن ألم سابق، وحزن على فواتها بعد تحصيلها، فالإطناب هنا مما يلائم سياق الوعد ترغيبا، إذ ورود البشرى مفصلة مما يستنهض الهمم إلى تحصيل الأسباب التي يتوصل بها إليها، فالسياق كأي سياق مرغب بموعود محبوب، يحمل في طياته دلالة إنشائية على الحث على مباشرة الأسباب التي بها ينال ذلك الموعود، كما أن نقيضه مما سيق ترهيبا بوعيد مكروه يحمل في طياته دلالة إنشائية على الحث على الكف عن الأسباب التي يقع بها ذلك الوعيد، فذلك أصل في نصوص الوعد والوعيد كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع.

وقبل ورود الخبر المسند جاء العطف على المبتدأ على حد الاستئناف، فالواو استئنافية رُفع ما بعدها: (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا)، بخلاف الواو في نحو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فهي عاطفة لما بعدها على ما قبلها في الحكم فاطرد النصب في كليهما لنكتة بلاغية تأتي الإشارة إليها إن شاء الله.

فلزم للمبتدأ الجديد إذ الكلام قد استأنف: لزم له خبر، إذ المحكوم عليه لا بد له من حكم يكتمل به معناه، فإما أن يقدر له حكم من جنس الحكم الذي حكم به على المبتدأ الأول على تقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثم انتهت الجملة، فعطف عليها على حد الاستئناف: والصائبون والنصارى كذلك من آمن منهم بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فيكون في الكلام إيجاز بحذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه، وهو الأولى إذ تقدم الذكر يسوغ الحذف لدلالة السياق على المحذوف، بخلاف التقدير الثاني وفيه يكون:

الخبر: "فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" للصابئين والنصارى، فتكتمل الجملة الثانية، ثم يقدر خبر للجملة الأولى من جنس خبر الجملة الثانية، على تقدير: الصابئون والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثم انتهت الجملة، فعطف عليها على حد الاستئناف أيضا: إن الذين آمنوا والذين هادوا كذلك من آمن منهم بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون فيكون فيه أيضا إيجاز بالحذف، ولكن الدلالة فيه: دلالة متأخر على متقدم وذلك خلاف الأصل.

وعلى كلا الحالين يستقيم السياق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير