تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتبقى النكتة البلاغية في تغيير النسق من نصب إلى رفع بالاستئناف ثم رجوع إلى النصب مرة أخرى في: "النصارى"، أو اطراد للرفع استئنافا فتكون الواو عاطفة للنصارى على الصابئين، وسبب ذلك، والله أعلم، كما ذكر بعض أهل العلم، أن الصابئين هنا ليسوا الصابئة المشركة من عباد الكواكب بل هم قوم مؤمنون على الحنيفية السمحة فجاء تغيير النسق تنبيها على ذلك لئلا يتبادر إلى الذهن أنهم الصابئة المذكورون في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) فيرد الإشكال: كيف يدخل في الوعد مشرك، ولا يرد على ذلك السياق الآخر في آية البقرة فإنه مذيل بنفس الحكم إذ دلالة السياق هنا: دلالة مدح، بينما دلالته في آيتي الحج والبقرة: دلالة مفاصلة بين قوم مختلفين كل منهم يدعي لنفسه النجاة، فجاء السياق ليفصل بينهم على حد استدراج المخاطب بالإنصاف في الحكم وجعله عاما، وإن كان الحق معلوما على وجه التحديد، فالمؤمنون واليهود والنصارى والصابئة والمجوس والمشركون كل يدعي أن طريقته هي الطريقة المثلى فإذ كان الأمر كذلك فالله، عز وجل، يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، أو: من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا منهم يقينا فهو الناجي، وقد علم الناجي ابتداء إذ لا يستوي المؤمن الموحد المنزه، والمشرك وثنيا كان أو صابئا أو مجوسيا، والمثلث القادح في توحيد الرب جل وعلا ووصفه بما يتنزه عنه آحاد الأقوياء من العجز عن الدفع عن نفسه أو ولده بزعمهم فضلا عما يعتري الناسوت من أعراض النقص البشري الذي يتنزه عنه الرب العلي جل وعلا بداهة فهو من الواجب الذاتي له، والقادح في وصف الرب جل وعلا من يهود، لا يستوي أولئك لاختلافهم في الأوصاف فلزم منه اختلافهم في الأحكام، فذلك جار على ما تقرر مرارا من قياس العقل الصريح بالتفريق بين المختلفات و: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 11 - 2009, 05:13 م]ـ

ومن قوله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)

فصدرت الآية بالتوكيد باللام وقد الداخلة على الماضي فأفادت التحقيق، وتنكير: "رسل" مئنة من الكثرة، وذلك آكد في تقرير النعمة الربانية عليهم بتكرار بعث الرسل عليهم السلام إليهم لتقويم اعوجاجهم المتكرر فهم أمة قد تمكن داء العصيان منها، فلا بد من طبيب يعالج الانتكاسات المتكررة، بخلاف الأمة الخاتمة التي اكتفت بالرسالة الخاتمة فلم تفتقر لكمال رسالتها إلى رسالة أخرى تكملها، أو تنسخ شيئا من أحكامها، فأخبارها أصدق الأخبار، على حد بقية أخبار النبوات، فجامع العصمة بين الكل واحد، ولكنها امتازت بمزيد بيان للإلهيات الغيبية من أسماء وصفات رب البرية، جل وعلا، وأحوال الدار الآخرة وأحوال الملائكة والجان ........ إلخ من الغيبيات التي لا يستقل العقل بدركها فلا بد من توقيف من الوحي، وأحكامها: أعدل الأحكام، فهي الوسط، كما تقدم في أكثر من موضع، بين جلال الشريعة الموسوية وجمال الشريعة العيسوية الناسخة لجملة من أحكام التوراة على حد التحليل بعد التحريم تخفيفا.

فـ: كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ: فذلك مئنة من تكرار الإرسال، وتكرار التكذيب والتقتيل لرسل الله عليهم السلام فقوبلت النعمة الكونية بالجحود الشرعي الذي توعد صاحبه بأشد العذاب، وقوله:

بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ: زيادة في التبكيت ببيان عظم جرمهم فلم يقتلوهم لأنهم شقوا عليهم أو كلفوهم ما لا يطيقون، وإنما قتلوهم لمحض هوى في النفس وهذا أقبح في الشرع والعقل.

فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ: فذلك حصر لأوجه القسمة العقلية إذ عم التكذيب كل صور الرد كإخراجهم من أرضهم ..... إلخ، وقدم المعمول حصرا وتوكيدا وجاء القتل على حد المضارعة استحضارا للصورة المنقضية إمعانا في التبشيع لها فضلا عن كونها عادة مطردة فليس حدثا عارضا، وإنما هو خلق ذميم فد تأصل في نفوسهم فصار وصفا دائما لهم.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير