فكل علم لم توجد قواعده إلا بعد التهذيب، سواء اللغة أو غيرها، فعلم الحديث لم يوجد بشكله الذي نعرفه اليوم عند المتقدمين، وإنما هذا وجدناه على لسان المتأخرين، فننظر في قواعدهم وصحتها من جهة برهان ثبوتها، والقاعدة التي لم تثبت فهي باطلة لا عبرة بها، فلا فرق بين اللغة وبين العلوم الأخرى من حيث التقعيد، فكل علم له تقعيد ينظر في ثبوت قواعدها وكيفية إثباتها، فإن تيقنا أنها صحيحة ببراهين علمنا صحتها، وعبرة ذلك بالاستقراء التام للجزئيات، مع ما يقوم به أهل اللغة من تثبت وتصحيح لما ينقل عن بعض العرب مما لا يصح، وقاله مخطئ أو كاذب.
وكل تقيسم وترتيب لشيء فإنما لم يوجد عند الأوائل، وإنما يوجد هذا عند المتأخرين لتيسيره بعد أن صعب عليهم لأسباب كثيرة كالاختلاط ونحوها، فالعبرة هنا بالطريق الذي يثبتون به هذه القواعد، فإن كان متيقنا فأهلاً بها من قاعدة، لا أن يأتون إلى أمثال الأخطل وأشباهه لإثبات قواعد من خلال أشعاره، ويعرضون عن كلام العرب وما جاء في النصوص الشرعية.
فالذي علم هذا: يعلم أن كل علم وضعت لها قواعد فإنها خاضعة إلى النظر في صحة برهان إثباتها، فسواء علم اللغة، أو غيره من العلوم بلا فرق، وأن اللغة من جهة الإعراب ونحو ذلك فلا يختلف عليه أحد، وإنما قد يختلفون في وجوه أخرى متعلقة بلهجات أو لغات العرب، ومنها النادر، والنادر لا يعني أنها باطل، بل هو صحيح لكنه وجه عند بعض العرب، وهو مقبول لا يرد.
وقد ذكر ابن حزم في كتبه كثيراً كون اللغة ثبتت سماعاً، وهو كان من الأدباء، ولا ينكر فضله وعلمه فِي اللغة العربية، إلا أَنَّهُ ليس لَهُ إحداث معاني فِي اللغة من غَيْر سماع عَنْ الأئمة الَّذِينَ أخذوا اللغة عَنْ العرب سماعاً.
فاللغة العربية تؤخذ عن الأئمة الثقات الذي أخذوها ومعانيها من العرب، حتى صارت كل الأمة تلتمس المعنى عندهم، كما تلتمس طريقة النطق.
ومنهم أيضاً علموا كيف ينطق هذا الاسم أو ذاك الفعل.
فابن حزم رغم إمامته في الأدب إلا أنه ليس من الأئمة الَّذِينَ يعتمد قولهم فِي حكاية معنى عربي، أو قاعدة عربية، وإنما هُوَ يختار وينتقي من هذه المعاني العربية التي رواها الثقات بأسانيدها، أَوْ ذكروها فِي كتبهم، أو ينقح القاعدة التي فيها زيادة لا يعرفها العرب مما زاده أهل اللغة المتأخرين واستخرجوه بالرأي والاستقراء الناقص.
وقد صرح هُوَ بذلك، وقال عن مصدر تلقي اللغة العربية: ’’ ... إما من لغة مسموعة من أهل اللسان، وإما منصوصة في القرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك: فباطل ,, أي مسموعة من العرب، وليست مخترعة مبتدعة.
وقال أيضاً عن الضمائر ومعانيها في العربية: ’’ وهذا باب لا يتعدى مسموعه من العرب فقط، ولا يجوز أن يقاس عليه ,,.
فهكذا نقول أيضاً، فالذي لا يعلم أن اللغة ثبتت سماعاً، وأن العرب إذا نطقت بالكلمة ورفعتها أو غير ذلك من حركات الإعراب فنحن ليس لنا إلا أن نقبل منهم ذلك.
فإن زعم أحد غير هذا طلبنا البرهان من كلام العرب غيره لنستيقن أن هذا من كلاب العرب، كما قال الإمام أبو علي القالي حين ذكر الشواهد في اللغة وأن الشاعر العربي إذا نطق بشعر وجاء بشيء منسوب إلى اللغة فإنه لا يقبل قوله، بل يطلب برهان من كلام العرب حتى نعلم أنه لم يكن كاذباً، ولا جاهلاً.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ..
ثم دخل في الخط راشد بن أحمد الراشد -مشرف قسم الكتبدارة أهل الظاهر-
فقال: جزاك الله خيرا شيخنا الحبيب على رد هذه الشبهة.
فما كان من أبو مالك العوضي (إلا أن شن المعركة)
فقال:
الأخ (راشد)
جزاك الله خيرا على دعوتكم الكريمة
الشيخ (ابن تميم الظاهري)
جزاك الله خيرا على هذا الرد،
وإن كان أحزنني أنه لم يُبن على تأمل جيد في السؤال المطروح.
وأنا لستُ مبتدئا في اللغة العربية حتى تظن بي هذا الظن، فأنا بحمد الله لي نحو عشرين سنة في دراسة اللغة وعلومها، ولا أقول ذلك فخرا، وإنما هو بيان للموضوع حتى لا يكون هناك مجال لإلقاء الظنون التي لا علاقة لها بالموضوع.
الشيخ الفاضل:
اللغويون اختلفوا هل تثبت اللغة قياسا أو لا، والأكثرون على أنها لا تثبت قياسا، هذا في ثبوت الألفاظ اللغوية.
¥