تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فصارت فرنسا الآن، مع كونها دار كفر، داتر أمان لكثير من المسلمين!، لا سيما في الدول التي تعاني من ويلات محاكم التفتيش في نسختها الأخيرة 2010 م، فقد انقرضت في أوروبا بغزو نابليون إسبانيا في القرن التاسع عشر، (1808 _ 1815 م)، وقصة اكتشافها واكتشاف بعض ضحاياها من الأحياء والأموات في أقبية الكنائس ثم إلغائها: قصة مشهورة، ولم تزل تلك المحاكم بأقبيتها التي يحتجز فيها المؤمنون والمؤمنات، لم تزل إلى الآن في دول تصل نسبة الإسلام فيها إلى 94 %، وتلك عجيبة أخرى من عجائب زماننا، ولعل ذلك ما حمل علماء من أمثال ابن حزم، رحمه الله، على تقييد الحكم بالكفر على من التحق بدار الحرب بصورة المكره المضطر الذي لا يأمن على دينه في دار الإسلام، فلم يلتحق بهم رضا بشرائعهم وطمعا في الدخول في طاعتهم ومظاهرة لهم على المؤمنين، كما قد وقع من كثير من المرتدين في زماننا، وإنما التحق بهم ليظهر الحد الأدنى من دينه، فلم يعد يقدر على ذلك في بلاده، فالمسلم الآن في كثير من الأحيان يأمن على دينه وحياته وكرامته في بلاد الكفر ولا يأمن عليها في بلاد المسلمين، والعجائب في هذا الشأن لا تنتهي.

ولكن علينا أن نتذكر جيدا أن فرنسا أو أي أمة أخرى لم تنل تلك الحقوق على طبق من ذهب، بل قد انتزعتها انتزاعا، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، من مؤسسة الكنيسة ومؤسسة الملكية الإقطاعية، فكان عليها أن تدفع الثمن، بل لم تجئ الثورة التي نجح اليهود في توظيفها لضرب الكنيسة والملكية معا، لم تجئ مرة واحدة، بل سبقتها، كأي حركة تغيير، بغض النظر عن صحتها أو فسادها، سبقتها نسخ تجريبية إن صح التعبير، حتى اكتملت عوامل الثورة الكاملة، فأحسن اليهود، كما تقدم، استعمال فقر وجهل الفرنسيين في ضرب الدين والدولة الملكية معا، فقد سئمت الجماهير من تآمرهما، فارتضت أن تبذل من دمائها لإزالة هذا الطاغوت الثنائي بشقيه: الديني والدنيوي، وليس المراد نقل التجربة بحذافيرها إلى العالم الإسلامي، بل ذلك عين الخطأ، لاختلاف الظرف، فالإسلام ليس فكرة أرضية يمكن لها بثورة الرعاع!، بل هو منهج رباني يمكن له بتضحيات الرجال، ولكنه من وجه آخر، يشترك لا محالة، بمقتضى السنة الكونية، مع تلك الحركات الأرضية في دفع الثمن، فلا بد من تضحيات، ولو اختلفت النيات، فهذا يموت في سبيل الله ليظهر الدين، وهذا يموت في سبيل العلمانية لينعم أبناؤه وأحفاده بمكاسبها، وشتان، وإن كانت صورة القتل واحدة، ولذلك فإن المطالبين اليوم، بالثورة من أجل إقرار الديمقراطية في العالم الإسلامي، يحرثون في الماء، لأن الديمقراطية بمقرراتها الفكرية تنافي الإسلام، فهي الصورة السياسية للعلمانية، والعلمانية لا تخفي مشاعر العداء لأي دين، فهي والأديان في شقاق عظيم، فإذا كانت الشعوب، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، على استعداد للتضحية، ولو في سبيل لقمة الخبز قهي تجيش الجموع في مظاهرات تحمل عنوان: "جوعتونا"، كما يحدث الآن عندنا في مصر، فهلا كانت تلك المظاهرات، بغض النظر عن حكمها الشرعي، هلا كانت نصرة لأخواتنا الأسيرات فأيهما أولى بالتظاهر: الدين التذي تنتهك حرمات نسائه أو لقمة الخبز؟!، فلماذا لا يضحون من أجل الإسلام، ففيه ما يتمنونه من مكاسب الديمقراطية أو يزيد، فالعقل يقضي بداهة ببذل الثمن لنيل البضاعة الأجود، لو فرض أن الأخرى جيدة، ولو من وجه أو وجوه، وبعض الأخوات اللاتي استغثن برئيس مصر لينقذهن من هذا الظلم، قالت بأننا نعيش في بلد ديمقراطي، فخاطبت الساسة بالمصطلحات التي يفهمونها، أو يدعونها، فتلك الشعارات مما تلوكه الألسن من منتصف القرن الماضي إلى يوم الناس هذا، فهل توجد ديمقراطية في مصر أو في غيرها من دول العالم الإسلامي، الجواب بطبيعة الحال: لا، وليس ذلك مما يستحى من ذكره، بل الواجب شرعا ألا توجد ديمقراطية في العالم الإسلامي لمنافاتها لجملة من أحكام الدين الخاتم، ولكن سقف الطموحات، كما تقدم، قد انخفض حتى تمنى الناس أن تكون الدول الإسلامية ديمقراطية على النموذج الغربي، فتكون ديمقراطية فعلا لا قولا، فيحظون بهامش الحريات الذي تقدمه الديمقراطية، فهي في حقيقتها، مسرحية فكرية، ولكنها على أقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير