تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تقدير، مسرحية بارعة، يحظى فيها الشعب بدور مؤثر، ولو في الظاهر، ويعود عليه من ربحها المادي والمعنوي جزء يسير، ولكنه عظيم بالمقارنة مع ما كان ولا يزال في كثير من أنظمة الحكم الاستبدادية، ومع ضآلة هذا المكسب، فإنه لا وجود له في بلد كمصر، لتنتفع به تلك الأخت المستغيثة، أغاثها الله عز وجل وكل إخواننا وأخواتنا من المستضعفين وفرج كربتهم، لأن المصريين لم يدفعوا ثمن الديمقراطية، كما دفعته الدول الديمقراطية فعلا، والسنة الكونية قاضية بأنه لا شيء بلا ثمن، فهل تصور المصريون أن تكون هناك ديمقراطية في حكم العسكر الذين جاءوا على ظهور الدبابات من 52 إلى الآن، وهل كان لهم بقاء لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية، مع قصورها وعوارها الفكري الظاهر لمناقضتها لوحي النبوات الذي يقضي برد الحكم إلى الرب جل وعلا، ومع ذلك لم يكن لهم بقاء إلا بادعائها لتسكين شعوب لم تدفع ثمنها أصلا ليحق لها المطالبة بمكاسبها، فمقهوم الدول المدنية المزعومة في مصر: شعار ينهار في مواجهة أي قوة متنفذة كمؤسسة الحكم أو الكنيسة أو طبقة رجال الأعمال، فكل يمارس طغيانه، فهذا يمارس الطغيان السياسي قهرا للشعوب وكبتا للحريات بذراع عسكرية غاشمة تمارس الإرهاب الفكري والبدني، والثاني يمارس الطغيان الديني بفتنة المؤمنين في دينهم تحت سمع وبصر دولة المؤسسات المزعومة، بل وتحت حراسة مؤسستها الأمنية الشامخة، والثالث يمارس الطغيان الاقتصادي بالاستيلاء على ثروات الأمة وتهريبها وتبديدها والتضييق على عموم المسلمين في معايشهم، ولكل دوره الذي يمارسه في كفاءة منقطعة النظير، فلم يدفع أحد ثمنا كافيا لترسيخ مفهوم الديمقراطية الحقيقية في مصر، فكيف بالإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه؟!.

وليس ذلك دعوة إلى ثورة من جنس الثورة الفرنسية، فسبيل التمكين للدين الخاتم لا يكون بثورة أو انقلاب، وقد وقعت تجارب مريرة في العالم الإسلامي في الأعصار الأخيرة، فوقعت صدامات مسلحة غير متكافئة أدت إلى إزهاق أرواح كثير من المسلمين، وظلم واضطهاد عام، تعيش في ظله أغلب بلاد المسلمين الديمقراطية!، فالتضحية لا سيما بالدماء ملمح مشترك في التمكين لأي عقيدة أو مذهب، ولو كان باطلا،، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولكن ذلك لا يعني التطابق، فالاشتراك من وجه لا يلزم منه الاشتراك في بقية الوجوه، بل للدين الخاتم منهج تمكين يميزه عن بقية المناهج، وإن كان الابتلاء فيه حتما لازما، كما يقع الآن لأخواتنا الأسيرات فك الله أسرهن، فلا يمكن العبد حتى يبتلى، كما أثر عن الشافعي رحمه الله، وقد سكت المسلمون يوما، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، على قتل سمية، رضي الله عنها، بتلك الطريقة البشعة، فكفوا أيديهم لضعف شوكتهم فلو بادروا بالانتصار لها لاستأصلت قريش شأفتهم، وكثيرا ما يسعى أهل الباطل إلى استدراج أهل الحق إلى معارك غير متكافئة، فيقع من العجلة ما لا يحمد عقباه، والتاريخ الحديث خير شاهد على ذلك، ولم يسكتوا على أقل من ذلك، لما قويت شوكتهم فجيش صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه لينتصروا لامرأة مسلمة كشف بنو قينقعاع عورتها، فلأزمنة الاستضعاف أحكام تلائمها، ولأزمنة التمكين الذي لا يكون إلا بثمن، كما تقدم مرارا، أحكام أخرى تلائمها، فلكل وصف حكم يلائمه، فإن وجد وجد بوجوده، وإن عدم عدم بعدمه، فيدور معه وجودا وعدما، وليس ذلك دعوة إلى البرود والقعود عن نصرة أولئك الأخوات فرج الله عنهن، فذلك واجب على كل مسلم بما يقدر عليه، فلا عذر لأحد في هذه النازلة التي يصدق عليها قوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فالانتصار لهم، ولو بالولاء والبراء الباطن، فيواليهن المكلف ويبرأ ممن ظلمهن وخذلهن، وإلا فعليه أن يراجع إيمانه، بل أصل إيمانه، فقد ينتقض بالكلية إن لم يحسن تحرير ولائه وبرائه في نازلة كهذه، وإذا كان علماء العقيدة يدرجون في المتون العقدية المسائل الفرعية التي وقع فيها النزاع مع المنحرفين من أهل القبلة كالمسح على الخفين والصلاة على الجنائز ونحوه، وهو ما قاس عليه بعض الفضلاء المعاصرين أمورا من قبيل الهدي الظاهر كاللحية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير