تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نَحْنَ أَبْنَاءَ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أُمَّةِ الإِسْلاِمِ – فيِ الْحَقِيقَةِ – نَمْلِكُ تُرَاثًا زَاخِرًا مِنْ صُنُوفِ الْمَعَارِفِ والْعُلُومِ أوْرَثَهُ أَسْلاَفُنَا رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُم، نَجِدُ فيِ كُنُوزِهَا مَا يُسْعِفُنَا وَيُضِيءُ سَبِيلَنَا فيِ مُخْتَلِفِ مَجَالاَتِ الْحَيَاةِ مِنْ أَلْوَانِ الإِرْشَادَاتِ والدُّرُوسِ والْعِبَر. فَكُلُّ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا هُوَ: أَنْ نَمْلِكَ عَدَدًا مِنْ مَفَاتِيحِ هَذِهِ الْكُنُوزِ. وَهَذا لاَ يُرْهِقُنَا إنْ تَتَبَّعْنَا الْخطوَاتِ بِتَرْتِيبٍ عِلْمِيٍّ مَدْرُوس؛ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، لِلْكَشْفِ عَمَّا فِيهَا مِنَ الثَّرْوَةِ وَالْقِيَمِ. وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى طُمُوحٍ وَتَطَلُّعٍ وَعَزِيمَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَهُدُوء وَصَبْرٍ وَمُمَارَسَةٍ وَتَدْرِيبٍ، وَبَحْثٍ واسْتِقْرَاءٍ وَضَبْطٍ ... وَقَدْ يَتَكبَّدُ الطَّالِبُ فيِ هَذِهِ الْمَسِيرَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فيِ الْحُسْبَانِ مِنْ غُرْبَةٍ وَحَاجَةٍ وَإِهْمَالٍ ...

وَلاَ بُدَّ هُنَا أَنْ نُرَكِّزَ – مَرَّةً أُخْرَى - عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّرْتِيبِ والنِّظَامِ وَمُرَاعَاةِ الْمَبَادِئِ الْمُسَلَّمَةِ. وَذَلِكَ بِتَنَاوُلِ الْمَوْضُوعَاتِ انْطِلاَقًا مِنَ الْبَسِيطِ إلَى الْمُرَكَّبِ، وَمِنَ السَّهْلِ إِلَى الْمُعَقَّدِ، وَمِنَ الْقَرِيبِ إِلَى الْبَعِيدِ ... وَمَا أَضَرَّ بِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَطْغى عَلَيْهِ الشَّرَهُ فيِ تَنَاوُلِ الْمَوَادِّ الْعِلْمِيَّةِ – أَيَّامَ تَخَصُّصِهِ – فَيَتَهَاوَنَ بِمَبْدَأِ التَّرْتِيبِ، فَيَعْبَثَ بِهَا تَقْدِيمَا وَتَأْخِيرًا، وَتَفْضِيلاً وَتَحْقِيرً، عَلَى نَحْوِ مَا تشْتَهِي نَفْسُهُ، وَهَذَا يُعَدُّ مِنْ غَلَبَةِ الْهَوَى، فَتَعُودُ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ وَبَالاً وَعَبَثًا وَتَخَبُّطًا وَتَلْبِيسًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَسادِ فيِ حَصِيلَتِهِ وَحَتَّى فيِ تَصَرُّفَاتِهِ!

إِنَّ الطَّالِبَ – بِطَبِيعَةِ الْحَالِ – لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ قَرَارًا فيِ أَيَّامِ طُفُولَتِهِ، وَإِنَّمَا تُسَيِّرُهُ ظُرُوفُهُ الَّتِي تَتَحَكَّمُ فِيهَا أُسْرَتُهُ وَأَسَاتِذَتُهُ وَبِيئَتُهُ. فَمَنْ رُزِقَ الإِصَابَةَ فِيمَا بَعْدُ فَلْيَحْمُدِ اللهَ. وَأَمَّا إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَنَضِجَ عَقْلُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَارِنَ دَائِمًا بَيْنَ الْمُهِمِّ والأَهَمِّ عَلَى ضَوْءِ كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَيْه السَّلاَم، بِأَنْ يُقَدِّمَ الأَهَمَّ، وَذَلِكَ للنُّهُوضِ بِنَفْسِهِ، وَمُسَاعَدَةِ الْمُخْلِصِينَ مِنْ أَبْنَاءِ أُمَّتِهِ، فيِ سَبِيلِ إِعْلاَءِ كَلِمَةِ اللهِ وَحِمَايَةِ الْقِيَمِ السَّامِيَةِ مِنَ الْعَبثِ بِهَا والضِّيَاعِ، وَلِتَوْحِيدِ الْكَلِمَةِ والصُّفُوفِ إِلَى أَنْ يَهْزِمَ اللهُ الأَحْزَابَ! .. هَذَا، لِلْعِلْمِ أَنَّ تَحْدِيدَ الأَهَمِّ لَيْسَ أَمْرًا تَوْقِيفِيًّا (مَاعَدَا الْمَنْصُوصِ مِنْهُ)، وَإِنَّمَا هُوَ نِسْبِيٌّ وُفْقًا للظُّرُوفِ، وَيُحَدِّدُهُ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ بَعْدَ الْمُدَارَسَةِ والْمشَاوَرَةِ وَالإِجْمَاعِ!

هَذِهِ كُلُّهَا أُصُولٌ عَامَّةٌ وَمَبَادئُ مَعْرُوفَةٌ قَدْ أَثْبَتَهَا أَهْلُ الاخْتِصَاصِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُتَقَدِّمُونَ والْمُتَأَخِّرُونَ. وَأَمَّا اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ، فَإِنَّ طَالِبَهَا لاَبُدَّ أَنْ يُرَكِّزَ الاهْتِمَامَ عَلَى أُمُورٍ أَثْبَتَهَا الْعُلَمَاءُ، وَرَأَوا أَنَّ النَّجَاحَ مُوَكَّلُ بِمُرَاعَاتِهَا.

إنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الأُمُورِ وَأَهَمَّهَا، هُوَ: ارْتِبَاطُ اللُّغَةِ بِجَمِيعِ نَوَاحِي الْحَيَاةِ مِنْ حُلْوِهَا وَمُرِّهَا، وَقَدِيمِهَا وَحَدِثِهَا، وَدَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا ... وَلِهَذَا فَمَنْ حَصَرَ اللُّغَةَ فيِ إِطَارِهَا الآَلِيِّ، وَظَنَّ أَنَّهَا مُجَرَّدُ أَدَوَاتٍ يُحْمَى بِهَا اللِّسَانُ مِنَ اللَّحْنِ فَحَسْبُ، تَحَوَّلَ هُوَ الآَخَرُ إِلَى آَلَةٍ مَحْضٍ، وَخَرَجَ مُفْلِسًا، وَلَمْ يُجَاوِزِ الْعِلْمُ حُلْقُومَهُ، يَمْرُقُ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ الرَّصَاصُ مِنَ الْبُنْدُقِيَّةِ!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير