تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مِثَالُهُ مِثَالُ الصُّوفِيِّ الْمُتَزَمِّتِ الَّذِي يَقْضِي كُلَّ حَيَاتِهِ فيِ عَالَمٍ مَوْهُومٍ، يَتَعَبَّدُ وَيَذْكُرُ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنْبَيْهِ، وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ يُشْرِكُ بِاللهِ، تَعَالَى رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ عَمَّا يَصِفُهُ الْحُمْقُ الْفَاسِقُون.

الأمْرُ الثَّانِي أَنْ يَتَأَكَّدَ الطَّالِبُ مِنْ مُيُولِهِ وَقُدُرَاتِهِ وَمُسْتَوَاهُ الْمَعْرِفِيِّ وَالثَّقَافِيِّ فَيُدَرِّجَهُ بِحِكْمَةٍ إِلَى أَنْ يَحْظَى النَّجَاحَ فيِ التَّعْبِيرِ عَنْ كُلِّ مَا يَجُولُ فيِ خَلَدِهِ دُونَمَا عَجْزٍ أوْ تَخَبُّطٍ أوْ لَحْنٍ مَهْمَا كَانَ مَوْضُوعُ كَلاَمِهِ. وَالْحِكْمَةُ فيِ ذَلِكَ تَتَمَثَّلُ فيِ انْتِقَاءِ الْكَلِمَةِ الْمُنَاسِبَةِ وَدَرْجِهَا فيِ الْمَوْضِعِ الْمُنَاسِبِ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ مُرَاعَاةِ السِّيَاقِ والسِّبَاقِ، وَالْعَلاَقَةِ والتَّدَاعِي ... وَهَذَا يَتَطَلَّبُ جُهُودًا وَصَبْرًا مَعَ مُوَاصَلَةِ الْقِرَاءَةِ والْكِتَابَةِ. وَلاَ شَكَّ فيِ أَنَّ لاِخْتِيَارِ الْمَصَادِرِ أَهَمِّيَّةٌ بَالِغَةٌ فيِ تَطْوِيرِ الْمُسْتَوَى الْعَلْمِيِّ والثَّقَافِيِّ، وَتَقْوِيمِ اللِّسَانِ وَتَوْسِيعِ آَفَاقِ التَّفْكِيرِ. وَلِهَذَا نَنْصَحُ الْمُهْتَمِّينَ بِالأَدَبِ الْعَرَبِيِّ خَاصَّةً وَشَبَابَ الْعَرَبِ عَامَّةً، أَنْ يُطَالِعُوا آَثَارَ فُحُولِ الأُدَبَاءِ والْبُلَغَاءِ، وَمُؤَلَّفَاتِ أُمَرَاءِ الْفَصَاحَةِ والْبَيَانِ مِنَ الشُّعَرَاءِ والْخُطَبَاءِ والْكُتَّابِ والرُّوَاةِ والْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ والأحْزَابِ ... هَذَا، وَطَالِبُ عُلُومِ اللُّغَةِ، خَاصَّةً مَنْ أَرَادَ الْمَزِيدَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ فيِ الأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِيَحْظَى مِنْ الْمَهَارَةِ فيِ أَسَالِيبِ الأَدَاءِ بِجَزَالَةٍ وَسَلاَسَةٍ وَسُهُولَةٍ وَانْسِجَامٍ، عَلَيْهِ بِمُدَارَسَةِ آَيَاتِ الْقُرْآَنِ والأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، مَعَ الاهْتِمَامِ عَبْرَ نُصُوصِهِمَا بِمَوَاطِنِ الأَمْرِ، والنَّهْيِ، والإِنْذَارِ، والتَّبْشيرِ، والتَّهْدِيدِ، والتَّنْبِيهِ، والتَّحْذِيرِ، والْحَثِّ، والتَّلْمِيحِ، والتَّشْبِيهِ، والتَّصْرِيحِ، والْمُقَارَعَةِ والتَّوْبِيخِ، والتَّشْرِيعِ والتَّرْخِيصِ، والتَّعْلِيمِ وَنَحْوِيهَا. شَرْطَ أَنْ يُتَابِعَ دِرَاسَتَهُ لِهَذَيْنِ الْمَصْدَرَيْنِ تَحْتَ إشْرَافِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ! إِذْ لاَ غِنًى أَبَدًا عَنْ هَذَيْنِ الْمَصْدَرِينِ الرَّئِيسِيّيْنِ، كَذَلِكَ عَنِ الأُسْتَاذِ الْمُتَمَكِّنِ، لِمَنْ يَدْرُسُ الْعَرَبِيَّةَ مِنَ الأَجَانِبِ، والْمُتَعَلِّمِ الْعَرَبِيِّ حَتَّى وَلَوْ كَانَا مَارِقَيْنِ أوْ بَعِيدَيْنِ عَنِ الرُّوحِ الدِّينِيِّ والْجَوِّ الإِسْلاَمِيِّ. وَيُبَرْهِنُ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ اهْتِمَامُ الْمُسْتَشْرِقِينَ وَالْمُثَقَّفِينَ مِنَ الْعَرَبِ الْمَسِيحِيِّينَ بِالْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ والأَحَادِيثِ النَّبَويَّةِ. وَرَدَ فيِ الْقَامُوسِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُنْجِدِ: أَنَّ الأَدِيبَ اللُّبْنَانِيَّ الْمَسِيحِيَّ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْيَازِيجِي (1847 - 1906)» حَفِظَ الْقُرْآَنَ «! كَذَلِكَ الْمُثَقَّفُ اللُّغَوِيُّ الْمَسِيحِيُّ اللُّبْنَانِيَّ الْعَقِيدُ الرُّكْنُ أَنْطُوَانِ الدَّحْدَاح، أَوْرَدَ فيِ مُعْجَمِهِ لِقَوَاعِدِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَدِيدًا مِنَ الآَيَاتِ الْقُرْآَنِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الاسْتِشْهَادِ. وَقَدْ اخْتَتَمَ مُقَدِّمَتَهُ لِهَذَا الْمُعْجَمِ بِكَلِمَاتٍ ظَنَّهُ حَدِيثًا للرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَهِيَ:» مَنْ عَمِلَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ عَمِلَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَحِدُ «. وَمَا هَذَا الْمَوْقِفُ مِنْهُ إِلاَّ لاهْتِمَامِهِ بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَإِنْ لَمْ يُتْقِنْ أُصُولَ الْحَدِثِ، وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ لَهُ، لأَنَّهُ غَيْرُ ذِي اخْتِصَاصٍ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير