لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَصْدُ مِنَ الْمُسْتَشْرِقِينَ وَالْمُثَقَّفِينَ مِنَ الْعَرَبِ الْمَسِيحِيِّينَ بِالْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ إلاَّ لانْبِهَارِهِمْ بِجَمال آَيَاتِهِ وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الإِعْجَازِ والْفَصَاحَةِ والْبَيَانِ والانْسِجَامِ وَرَوَائِعِ التَّعْبِيرِ وَنَبَرَاتِهَا الرَّنَّانَةِ الَّتِي تَأْخُذُ بِالأَلْبَابِ. فَأَوْلَى بِالدَّارِسِ الْعَرَبِيِّ الْمُؤْمِنَ أَنْ يَهْتَمَّ بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، فَيْغْتَنِمَ بِمَا فِيهِ مِنْ كُنُوزِ الْعُلُومِ وصُنُوفِ الْمَعَارِفِ.
وإِنِّي لأَنْصَحُكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ بِجَانِبِ مَا أوْصَيْتُ لَكَ خَاصَّةً أَنْ تُوَجِّهَ اهْتِمَامَكَ إِلَى طَائِفَةٍ تَجِدُ أَسْمَاءَهَا فِيمَا يَلِي، مِنْ أَزَاهِيرِ الأَدَبِ الْعَرَبِيِّ، تَضُمُّ مِنْ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، وَهِيَ: 1) نَهْجُ الْبَلاَغَةِ للشَّرِيفِ الرَّضِي (الطَّبْعَةُ الَّتِي شَرَحَهَا وَضَبَطَ نُصُوصَهَا الْمَغْفُورِ لَهُ الإِمَامُ مُحمَّد عَبْدُه)، 2) مُؤَلَّفَاتُ أبِي عُثْمَانَ عَمْروَ بْنِ بَحْرٍ الْكِنَانِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْجَاحِظِ. إِذْ هُوَ أَحَدُ أَفْذَاذِ الْعَالَمِ بِلاَ رِيْبٍ، وَإِحْدَى حُجَجِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ. وَبِالْخُصُوصِ كِتَابُهُ الْمَعْرُوفُ بِـ» الْبَيَانِ والتَّبْيِينِ «. 3)» النَّظَرَاتُ «لِمُصْطَفَى لُطْفيِ الْمَنفَلُوطِيِّ. 4)» حَدِيثُ الْقَمَرِ «لِمُصْطَفَى صَادِقِ الرَّافِعِيِّ. 5)» لاَمِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْوَرْدِيِّ «الَّذِي يَنْصَحُ طَالِبَ الْعِلْمِ فيِ مَوْضِعٍ مِنْ أَبْيَاتِهِ، فَيَقُول:
أيْ بُنيْ إِسْمَعْ وَصَايَا جَمَعتْ * حِكَمًا خُصَّت بِهَا خَيْرُ الْمِللْ:
أُطلُبِ الْعِلْمَ وَلاَ تَكْسَلْ فَمَا * أَبْعَدَ الْخَيْرُ عَلىَ أَهْلِ الْكَسَلْ
وَاحْتَفْلْ لِلْفِقْهِ فيِ الْدِّينِ وَلاَ * تَشْتَغِلْ عَنْهُ بِمَالٍ وَخِوَلْ
أُهْجُرِ النَّوْمَ وَحَصِّلْهُ فَمَنْ * يَعْرِفِ الْمَطْلوُبَ يَحْقِرْ مَا بَذَلْ
لاَ تَقُلْ قَدْ ذَهَبَتْ أَرْبَابُهُ * كُلُّ مَنْ سَارَ عَلىَ الدَّرْبِ وَصَلْ
فيِ ازْدِيَادِ الْعِلْمِ إِرْغاَمُ الْعِدىَ * وَجَمَالُ الْعِلْمِ إِصْلاحُ الْعَمَلْ
جَمِّلِ الْمَنْطِقَ بِالنَّحْوِ فَمَنْ * يُحْرَمِ الإعْرَابَ فيِ اللَّفْظِ اخْتَبَلْ
أُنْظُمِ الشِّعْرَ وَلاَزِمْ مَذْهَبيِ * فَاطِّرَاحُ الرَّفْدِ فيِ الدُّنْيَا أَقَلْ
فَهْوَ عُنْوَانٌ عَلَى الفضلِ فما * أحسن الشعرُ إذا لم يُبتذل
أَيُّهَا الْعَزِيزُ، مَتَى تَصَفَّحْتَ كِتَابًا، أَنْصَحُكَ بِمَدِّ الصِّلَةِ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَةٍ تَقْرَأُ مِنْهُ وَبَينَ الْمَقَايِيسِ الْعِلْمِيَّةِ، عَسَى ألاَّ تَسْتَسْلِمَ لِكُلِّ قِيلٍ وَقَالٍ. وَإِذَا تَنَازَعَتِ الْمَفَاهِيمُ وتَلاَطَمَتِ الْمَعَانِي فيِ ذِهْنِكَ فَالْتَبَسَ عَلَيْكَ شُيْءٌ مِنْهَ، عَلَيْكَ بِتَحْكِيمِ آَيَاتِ اللهِ الْبَيِّنَاتِ وَكَلِمَاتِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلاَمِ فيِ فَكِّ الْمُعْضِلَةِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَةِ قَبْلَ مُرَاجَعَتِكَ لِلْمَعَاجِمِ والْمَوْسُوعَاتِ. وَهَذَا أَمْرٌ ثَالِثٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا اخْتَرْتُهُ لإِضَاءَةِ سَبِيلِكَ إِجَابَةً عَلَى مَسْأَلَتِكَ.
يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ سَدَنَةِ الْعِلْمِ: مِنَ الأَسَاتِذَةِ والطُّلاَّبِ والَّذِينَ يُحَاوِلُونَ بِجُهُودِهِم الْخَاصَّةِ لِيَحْظَوْا نَصِيبًا وَافِرًا مِنْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَدَبِيَّاتِهَا، يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَعَاوَنَ فِيمَا بَيْنَنَا عَلَى تَكْثِيفِ نَشَاطَاتِ التَّوْعِيَةِ والإِرْشَادِ اللُّغَوِيِّ، وَبَثِّ الدَّعْوَةِ إِلَى تَقْوِيمِ اللِّسَانِ وَفَصَاحَةِ الْكَلاَمِ، والنُّطْقِ الْخَالِصِ مِنَ اللَّحْنِ والتَّعْقِيدِ وَالتَّخَبُّطِ الْعَامِّيٍ، لِلْقَضَاءِ عَلَى الثَّرْثَرَةِ الْمُنْتَشِرَةِ الْبَشِعَةِ الَّتِي تُهَدِّدُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ وَبِخَاصَّةٍ عَنْ طَرِيقِ أجْهِزَةٍ الإِعْلاَمِ والاتِّصَالاَت. وَلِلشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ دَوْرٌ هَامٌّ فيِ تَعْمِيمِ هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ.
¥