تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إِنَّ تَقْوِيمَ اللِّسَانِ مِنْ أَهَمِّ الأُمُورِ التَّعْلِيمِيَّةِ والتَّهْذِيبِيَّةِ الَّتِي طَالَمَا احْتَسَبَ لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ قُدَمَاءُ الأُمَّةِ وَعُلَمَاؤُهَا مُنْذُ فَجْرِ الإِسْلاَمِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. فَكَانَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ السَّلاَم أَفْصَحَ النَّاسِ وَأَبْلَغَهُم، وَأَعْلَمَهُمْ بِقِيمَةِ الْبَيَانِ، مُتَّصِفًا بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ. وَلِكَمَالِ عِلْمِهِ بِأَنَّ بَيَانَ الْحُجَّةِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ مِنَ الأَهَمِّيَّة فيِ الْخُصُومِ، وَتَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ ... وَهِيَ دَعَامَةٌ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا مُدَّعِي الْحَقِّ فيِ مُرَافَعَتِهِ وَمُطَالَبَتِهِ وَالدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ وَشَرَفِهِ وَمَالِهِ ... يُبَرْهِنَ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيَقَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ السَّلاَم:» إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا «. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فيِ تَفْصِيلِ مَعْنَاهُ: إِن الرَّجُلَ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَهُوَ أَقْوَمُ بحُجَّتِه مِنْ خَصْمِه فَيَقْلِبُ الحقَّ بِبَيانِه إِلىَ نفْسِه، لأَنَّ مَعْنَى السِّحْر قَلْبُ الشَّيْءِ فيِ عَيْنِ الإِنْسَانِ وَلَيْسَ بقَلْبِ الأَعْيانِ. وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ، فَقَدْ أشَارَ إلَيْهَا الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فيِ حَدِيثٍ لَهُ» عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلاَنِ مِنْ الأنْصَارِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دَرَسَتْ لَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ, وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ, وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ, وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْكُمْ, فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلاَ يَأْخُذْهُ, فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ, يَأْتِي بِهَا إسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قَالَتْ: فَبَكَى الرَّجُلاَنِ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: حَقِّي لأَخِي, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا إذْ فَعَلْتُمَا فَاذْهَبَا وَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ لْيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ «.

تَتَبَلْوَرُ أَهَمِّيَّةُ الْبَيَانِ مِنْ خِلاَلِ هَذَا الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ بِكُلِّ وُضُوحٍ. فَالْحَقَائِقُ إِنَّمَا تَظْهَرُ إلَى الْعَيَانِ، وَتُبَلَّغُ الدَّعْوَةُ وَتُصَانُ الْحُجَّةُ بِفَضْلِ الْمَنْطِقِ السَّلِيمِ وَتَهْذِيبِ اللِّسَانِ بسِلاَحِ الْفَصَاحَةِ والْبَلاَغَةِ والْبَيَانِ. إنَّ الْكَلاَمَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا * جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلاً.

وَأَخِيرًا: لاَ تَنْسَ أَيُّهَا الأَخُ الْعَزِيزُ، بِأَنَّ الْعِلْمَ والْمَعْرِفَةَ نَصِيبُ كَالْمَالِ. يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَاب. (البقرة/269). وَرُبَّ طَامِعٍ يُضَحِّي بِكُلِّ حَيَاتِهِ فيِ سَبِيلِ الْعِلْمِ وَلاَ يَحْظَى مِنْهُ إِلاَّ نَذْرًا يَسِيرًا؛ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَرْكُضُ وَرَاءَ الْمَالِ والثَّرْوَةِ وَهُوَ فَاشِلٌ فيِ كُلِّ مُحَاوَلاَتِهِ والْعَيَاذُ بِاللهِ.» مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي لآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ «. (الشورى/20). وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَاب.

وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالىَ وَبَرَكَاتُهُ.

فرِيد صَلاَح الْهَاشِمِي

...

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ اللهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَعِتْرَتِهِ، وَأَهْلِ صُحْبَتِهِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير