تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَخَانَا الْوَفِيَّ الْعَزِيزَ، وَفَّقَكَ اللهُ سُبْحَانَهُ في كلّ مَا تَبْتَغِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَسَدَّدَ خُطَاكَ ...

بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَأَنَا عَلَى قَدَمِ السَّفَرِ لإلْقَاءِ سِلْسِلَةٍ مِنَ الْمُحَاضَرَاتِ فيِ مُخْتَلَفِ مُدُنِ تُرْكِيَا خِلاَلَ الأُسْبُوعَيْنِ الْقَادِمَيْنِ، فَأَحْسَسْتُ بِتَرَدُّدٍ فيِ خَلَدِي بَيْنَ الْمُبَادَرَةِ وَالإِرْجَاءِ للإِجَابَةِ، فَاسْتَقَرَّ الرُّجْحَانُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِعِلْمِي بِمَا يَنْتَابُ الإِنْسَانَ الَّذِي يَنْتَظِرُ الْجَوَابَ مِنَ الْجَزْعِ وَالْحَرَجِ، وَلِمَكَانَتِكَ الْخَاصَّةِ عِنْدِي.

أَيُّهَا الْعَزِيزُ،

قَالَ تَعَالَى: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى. (النجم/39 - 42). فَانْطِلاَقًا مِنْ هَذَِهِ الْقَاعِدَةِ الْعُظِمَى (الّتِي أرْسَاهَا اللهُ سُبْحَانَهُ لِيَضَعَ كُلُّ مُؤْمِنٍ فيِ اعْتِبَارِهِ أَنَّ لَهُ دَوْرًا وَرِسَالَةً يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهِمَا حَقَّ الْقِيَامِ)؛ يَجِبُ أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَوَّلِ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا لإنْجَازِ عَمَلٍ مُتَشَابِهِ لاَ نَصَّ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى مُفْتَرَقِ السُّبُلِ؛ لأنَّ الاسْتِشَارَةَ لاَ تُعْنِي عَنْهُ خَاصَّةً إِذَا كَانَ هُوَ أَعْلَمَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَظُرُوفِهِ مِمَّنْ يَسْتَشِيرُهُ. أَمَّا الْمُعْتَزِمُ عَلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُ (الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهِ الْوُجُوهُ)، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرَى فيِ نَفْسِهِ كَفَاءَةً، وَفِي طَاقَتِهِ وَمَالِهِ كِفَاءَةً لِلْقِيَامِ بِذَلِكَ الأَمْرِ، شَرِيطَةَ أَنْ يُتَابِعَ الأَوْلَوِيَّاتِ فيِ مَشْرُوعِهِ، وَأَنْ يُحَدِّدَ أَسَالِيبَهُ وُفْقًا لِطَبِيعَةِ أَعْمَالِهِ وَمَرَاحِلِ سَيْرِهَا، وَأَنْ يُكَيِّفَ نَفْسَهُ عَلَى تَغَيُّرِ الظُّرُوفِ وَالْمُؤَثِّرَاتِ والْوَسَطِ؛ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى حِيطَةِ أَمَامَ أَيِّ عَقَبَةٍ يُوَاجِهُهَا فيِ مَسِيرَتِهِ؛ وَأَنْ يَصْمُدَ أَمَامَ الابْتِلاَءَاتِ، وَأَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ فيِ بِدَايَةِ انْطِلاَقِهِ ... فَهَذِهِ خَلاَصَةُ مَا أقَرَّهُ عُلَمَاءُ التَّرْبِيَّةِ السُّلُوكِيَّةِ وَالْمُرْشِدُونَ مِنْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ فيِ الْعَمَلِ التَّطْبِقِيِّ.

ثُمَّ إِنَّ مِنْ أَبْرَزِ سِمَاتِ الصَّلاَحِ وَالْكَمَالِ فيِ الإِنْسَانِ الْمُؤْمِنِ: الْمَهَارَةُ فيِ حِرْفَةٍ أوْ مِهْنَةٍ تَسَهِّلُ السُّلُوكَ لأَفْرَادِ الأُمَّةِ فيِ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْحَيَاةِ، وَتَفْتَحُ لَهُمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْمَعَاشِ، أَوْ تَسُدُّ ثَغْرَةً مِنْ ثَغَرَاتِ الْفَسَادِ وَالانْحِلاَلِ فيِ صُفُوفِهِم. وَأَمَّا قِيمَةُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَهَارَةِ فَتُقَدَّرُ بِمَدَى نَفْعِهَا، وَنِطَاقِ فَائِدَتِهَا، وَحُدُودِ إِيجَابِيَّاتِهَا، وَسَرَيَانِهَا وَدَوَامِهَا، وَدَوْرِهَا فيِ رَفعِ مُسْتَوَى الأُمَّةِ، وَإِيحَاءِهَا بِمَسْؤُولِيَّاتِهَا أَمَامَ خَالِقِهَا، وَنَجَاحِهَا فيِ السِّبَاقِ الأُمَمِيِّ الْعَالَمِيِّ وَالْحَضَارِيِّ، وَتَوْفِيرِ أَسْبَابِ الرُّقِيِّ وَالازْدِهَارِ عَلَى مُسْتَوَى الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِلاَ تَفْرِيقٍ وَلاَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ عَنَاصِرِهَا الْمُوَحِّدِينَ وَإِنْ تَبَايَنَتْ لُغَاتُهُمْ وَأَوْطَانُهُم، فَهُمْ فيِ الْحَقِيقَةِ أَبْنَاءُ الْوَطَنِ الإِسْلاَمِيِّ الْكَبِيرِ!

أَمَّا رَأْيِّي فِيمَا يَعْرُضُ لَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّرَاسَاتِ، فَإِنِّي أَنْصَحَكَ أَوَّلاً: أَنْ تُعْطِيَ الأَوْلَوِيَّةَ مِنْهَا لِمَا تَصْبُو إِلَيْهِ نَفْسُكَ وَيَتَمَاشَى مَعَ أَذْوَاقِكَ وَمُيُولِكَ إِذَا كُنْتَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ زِيَادَةِ نَفْعِهَا بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الْخِيَارَاتِ. وَاللهُّ تَعَالَى وَحْدَهُ عَالِمٌ بِبَوَاطِنِ الأُمُورِ. وَأمَّا مَفْهُومُ زِيَادَةِ النَّفْعِ، فَذَلِكَ أَمْرٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْوُجُوهُ؛ فَقَدْ يَخْتَارُ المُؤْمِنُ عَمَلاً يَتَبَنَّى بِهِ فيِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير