وقد هيأت هذه المواقف الجو لدعاة العامية فنهض إليها رجال الاستعمار أولاً، وأكثرهم دأبا في هذا الطريق " وليم ولكوكس " رجل الاستعمار الإنجليزي الذي هيأ له النفوذ الاستعماري السيطرة على المجلة الأولى في الدفاع عن اللغة، وهي مجلة الأزهر، حيث تولى هذا الرجل الإنجليزي رئاسة تحريرها، ففرض نشر دعوته إلى العامية فيها، وصار يلقي المحاضرات في الدعوة إلى العامية، ثم ينشرها في مجلة الأزهر.
وأهم دعاواه في هذا أن اللغة العربية ليست لغة علوم، ولذا فإن سر تخلف المصريين- على حد زعمه- كامن في التزامهم اللغة العربية.
واستطاع "ولكوكس " هذا أن يجذب إلى دعوته أناسا نشأوا على اللسان العربي وثقفوا بثقافته، غير أن جلهم من النصارى، مثل "إسكندر معلوف " من نصارى الشام "وسلامه موسى" من نصارى مصر، وقد عمد هذان إلى نشر دعوتهما إلى العامية في مجلة البلاد التي أنشأها (جرجي زيدان) النصراني.
وكان (سلامة موسى) أكثرهم حماسة لهذه الدعوة، حيث حاول إشعار المصريين بأن بقاءهم على اللغة العربية الفصيحة يسلبهم شخصيتهم المصرية، ويجعله يذوبون في الشخصية العربية الشرقية.
تم سنَ طرقا للتخلص من الفصحى تبدأ بحذف جمع التكسير والتصغير، وحذف الواو والنون من جمع المذكر السالم، وحذف الألف والنون من المثنى، ولزوم التسكين عند الوقف، ومر هؤلاء "سعيد عقل " الذي أسس مطبعة في لبنان سخرها في خدمة العامية، وبدأ طبع مؤلفات عامية يستخدم فيها (36) حرفاً لاتينياً بدلاً من الحروف العربية.
وإذا كانت الدعوة إلى العامية قد وجدت من مرض العقول، والأفكار من أيدها،ودعا إليها، فإن الغيورين على دينهم من العرب قد وقفوا في وجهها، وبدؤوا في محاربتها بمحاولة طرد اللغة الإنجليزية من المدارس، ونجحوا في ذلك، وكان في المقدمة من هؤلاء الرجال الشيخ "علي يوسف " فأعطى نجاحهم في ذلك دفعة قوية للذين وقفوا ينصرون العربية ويدفعون العامية عن ميادين العلم والفكر، وذلك بمقالاتهم التي ملأت صدور صفحات المجلات والصحف، فدفعوا العامية عن هذه الميادين، وإن بقيت حية في أعمال بعض القاصين من مرضى اللسان والفكر، مثل إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي ونحوهما.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 01:27 م]ـ
شكر الله لك محمد سعد
الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله في كتابه الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصرعن الدعوة إلى هدم اللغة العربية:
قامت الدعوة سنة1881م حين اقترح المقتطف كتابة العلوم باللغة التي يتكلمها الناس في حياته العامة ثم بعثت هذه الدعوة أوئل سنة1902م حين ألف أحد قضاة الانجليز في محكم الاستئناف الأهلية وهو القاضي ولمور كتابا عما أسماها لغة القاهرة وضع لها قواعد اقترح اتخاذها لغة للعلم والأدب كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية وتنبه الكتاب حين أشاد به المقتطف فحملت عليه الصحف مشيرة إلى موضع الخطر من هذه الدعوة التي لا تقصد إلا إلى محاربة الإسلام في لغته وأنشد حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة التي تحدث فيها بلسان اللغة العربية. ثم ثارت الدعوة من جديد حين دعا انجليزي آخر يعمل مهندسا للري في مصر هو السير وليم ولكوكس سنة1926م إلى هجر اللغة العربية ...
يقول رحمه الله:
ثم اتخذت هذه الدعوات القومية والشعبية ستارا لدعوتهم ...
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[07 - 02 - 2009, 01:57 ص]ـ
أخي الكريم, أود لو تقرأ ردي بتمعن قبل أن ترد عليه.
نحن إزاء أمرين أحلاهما مرّ كما يقال,
أولهما أن نعترف بالعامية أو اللهجات على أنها مستويات للغة العربية (على اعتبار المستوى الأعلى الذي هو الفصحى والمستوى الأدنى الذي هو العامية) نتيجة لتطور العربية الكلامية عبر القرون التي مرت بها والمجتمعات التي نطقت بها وأنها أمر واقع لا يجوز إنكاره بل يجب دراسته بغرض تقريبه من الفصحى وفهم اللبس والخلط اللذين يحصلان في ملكة العربي المعاصر اللغوية بين المستوى الأعلى والمستوى الأدنى لأن تشخيص المرض أول درجات العلاج, هذا إذا اعتبرنا العامية مرضا, الشيء الذي لا أقره لأن ذلك يقودنا إلى اعتبار أكثر من مائتي مليون عربي مرضى؛ وبعد فهم الخلط الحاصل يجب التوجيه والعمل على التقريب والمقاربة بآليات علمية ومنهجيات عصرية تتعامل مع العربي على أنه يكتسب مستويين من اللغة والغرض من ذلك جعله يميز بين المستويين ولا يخلطهما ببعض لأن أكبر أسباب الضعف اللغوي في المستوى الأعلى هو الخلط بين المستويين في النحو خصوصا.
وثانيهما أن نعتبر أن العربية الفصيحة لغة رسميات وكتابة وتعبد وليست لغة كلام واستعمال يومي, وهي بذلك لغة نصف ميتة – وصف لا أظنك تقبله وترضاه, ولكنه الواقع الذي نعيشه والهروب منه إلى نظريات أخرى غير مستنبطة منه لا يعالجه ولا يقدم له حلا, وبذلك تصير العامية همهمات وتمتمات لا معنى لها وهذا مخالف للتعريف العلمي للغة التي هي أداة تواصل وتعبير الأمر الذي تفي به العامية في أهلها حيث لا يُحتاج إلى الفصحى.
أما أنا فأفضل الخيار الأول لأنه خيار بنّاء واقعي معترف بالواقع وساع لتحسينه, ولا يضع رأسه في التراب مرتقبا النحوي المنتظر.
بوركت أخي الكريم.
أخونا ضاد، لا أظن أن ما أسلفتَ من اختيارين هو كل الاختيارات المتاحة، أحيا الصهاينة لغة ماتت فعلا فهل نعجز نحن أن ننشط استخدام لغتنا، ولا أقول نحييها.
¥