واختاره أيضا ابن القيم في طريق الهجرتين (ص 652) فقال: وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها، وتتوافق الأحاديث، ويكون معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول " الله أعلم بما كانوا عاملين " يظهر حينئذ ويقع الثواب والعقاب عليه حال كونه معلوما علما خارجيا لا علما مجردا، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد رد جوابهم إلى علم الله فيهم، والله يرد ثوابهم وعقابهم إلى معلومه منهم، فالخبر عنهم مردود إلى علمه ومصيرهم مردود إلى معلومه، وقد جاءت بذلك آثار كثيرة يؤيد بعضها بعضا أهـ.
قال البيهقي عقيب حديث أبي هريرة: فأما حكمهم في الآخرة فبيانه في آخر الحديث وهو قوله " الله أعلم بما كانوا عاملين " فحكمهم في الدنيا في النكاح والمواريث وسائر أحكام الدنيا حكم آبائهم حتى يعربوا عن أنفسهم بأحدهما، وحكمهم في الآخرة موكول إلى علم الله عز وجل فيهم اهـ
ثم قال في تفسير التوقف في الاعتقاد (201): ومن قال بالطريقة الأولى في التوقف في أمرهم جعل امتحانهم وامتحان أولاد المشركين في الآخرة محتجا بما .... ثم ذكر بعض الأحاديث الآتية، ثم قال: وهكذا ينبغي أن يقول من قال بالطريقة الثانية () في أولاد المسلمين، فمن لم يواف أحد أبويه القيامة مؤمنا يجعل امتحانه في الآخرة حيث لم يجد متبعا يلحق به في الجنة اهـ
وهو اختيار ابن كثير في تفسيره (3/ 30) قال: وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض أهـ.
قال أبو عبد الباري: قد استدل من ذهب إلى هذا القول بالنص والقياس والنظر:
أما النص ففي أحاديث:
وجملة ما احتجوا به من الأحاديث في خصوص هذه المسألة ثلاثة أحاديث عن ثلاثة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهم أبو سعيد الخدري ومعاذ بن جبل وأنس بن مالك، وهذه أحاديثهم:
(28) الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا " يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب ولا رسول، ويقول المعتوه: أي رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا، ويقول المولود: لم أدرك العمل، قال: فترفع لهم نار فيقال لهم: ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله سعيدا إن لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا إن لو أدرك العمل، فيقول تبارك وتعالى: إياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب؟ ".
رواه البزار (رقم 2176 زوائده) والبغوي في الجعديات (رقم 2126) وابن جرير في تفسيره (16/ 238) وابن عبد البر في التمهيد (18/ 127) واللالكائي (رقم 1076) من طرق عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري به.
وهذا سند ضعيف من أجل عطية العوفي وهو ضعيف مدلس شيعي، و مع ضعفه فقد عنعنه، و تفرد به كما قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من حديث فضيل أهـ.
وبهذا ضعفه الهيثمي في المجمع (7/ 216) والألباني في صحيحته (5/ 604) والأرناؤط في تحقيق الإحسان (16/ 358) وتحقيق العواصم لابن الوزير (7/ 253).
وأعل أيضا بالوقف، فقال المروزي في الرد على ابن قتيبة (أحكام أهل الذمة 2/ 105): ورواه أبو نعيم الملائي عن فضيل عن عطية عن أبي سعيد موقوفا، وأخذه عنه ابن عبد البر فقال في التمهيد (18/ 128): من الناس من يوقف هذا الحديث على أبي سعيد ولا يرفعه، منهم أبو نعيم الملائي أهـ والله أعلم.
والحديث قواه ابن القيم وأجاب عن هذه العلة بقوله في طريق الهجرتين (ص 657): ورواه أبو نعيم عن فضيل بن مرزوق فوقفه، فهذا وإن كان فيه عطية فهو ممن يعتبر بحديثه ويستشهد به وإن لم يكن حجة، وأما الوقف فقد تقدم نظيره من حديث أبي هريرة أهـ.
قال أبو عبد الباري: لم أقف على رواية أبي نعيم الموقوفة، وفي كلام ابن عبد البر ما يدل على أن غير أبي نعيم قد رواه موقوفا، فلينظر في ذلك، وهو يدل على اضطراب عطية العوفي في الحديث.
¥