تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الناس من له خبرة بالعقليات المأخوذة عن الجهمية، وغيرهم، وقد شاركهم في بعض أصولها، ورأى ما في قولهم من مخالفة الأمور المشهورة عند أهل السنة: كمسألة القرآن، والرؤية، فإنه قد اشتهر عند العامة، والخاصة أن مذهب السلف، وأهل السنة، والحديث: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، فأراد هؤلاء أن يجمعوا بين نصر ما اشتهر عند أهل السنة، والحديث، وبين موافقة الجهمية في تلك الأصول العقلية التي ظنها صحيحة، ولم يكن لهم من الخبرة المفصلة بالقرآن، ومعانيه، والحديث، وأقوال الصحابة ما لأئمة السنة، والحديث، فذهب مذهبا مركبا من هذا، وهذا، وكلا الطائفتين ينسبه إلى التناقض وهذه طريقة الأشعري، وأئمة أتباعه كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأمثالهما، ولهذا تجد أفضل هؤلاء كالأشعري يذكر مذهب أهل السنة، والحديث على وجه الإجمال، ويحكيه بحسب ما يظنه لازما، ويقول: إنه يقول بكل ما قالوه، وإذا ذكر مقالات أهل الكلام من المعتزلة، وغيرهم حكاها حكاية خبير بها عالم بتفصيلها، وهؤلاء كلامهم نافع في معرفة تناقض المعتزلة، وغيرهم، ومعرفة فساد أقوالهم.

وأما في معرفة ما جاء به الرسول، وما كان عليه الصحابة، والتابعون، فمعرفتهم بذلك قاصرة، و إلا فمن كان عالما بالآثار، وما جاء عن الرسول، وعن الصحابة، والتابعين من غير حسن ظن بما يناقض ذلك لم يدخل مع هؤلاء، إما لأنه علم من حيث الجملة أن أهل البدع المخالفين لذلك مخالفون للرسول قطعا، وقد علم أنه من خالف الرسول فهو ضال، كأكثر أهل الحديث، أو علم مع ذلك فساد أقوال أولئك وتناقضها كما علم أئمة السنة من ذلك ما لا يعلمه غيرهم كمالك .. الخ

وقال أيضا (7/ 462): وكان الأشعري أعظم مباينة لهم في ذلك من الضرارية حتى مال إلى قول جهم في ذلك لكنه كان عنده من الانتساب إلى السنة والحديث وأئمة السنة كالإمام أحمد، وغيره، ونصر ما ظهر من أقوال هؤلاء ما ليس عند أولئك الطوائف، ولهذا كان هو وأمثاله يعدون من متكلمة أهل الحديث، وكانوا هم خير هذه الطوائف، وأقربها إلى الكتاب والسنة، ولكن خبرته بالحديث، والسنة كانت مجملة، وخبرته بالكلام كانت مفصلة. فلهذا بقي عليه بقايا من أصول المعتزلة، ودخل معه في تلك البقايا، وغيرها طوائف من المنتسبين إلى السنة، والحديث من اتباع الأئمة من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد

وكذا أشار شيخ الإسلام أن عنده بقايا من الاعتزال في 2/ 99و7/ 99

ولنضرب لذلك مثالين فقط إذ ليس هنا مو ضع بسط ذلك:

1. قال في المقالات (1/ 347) في حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: ويقولون: أسماء الله هي الله اهـ، وأما في الإبانة فقال (ص 54): وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا اهـ.

وهذا الذي نقله في المقالات هو أحد طرفي المسألة، وذلك أن من قال: أسماء الله غير الله هكذا بالاطلاق فهو مبتدع وهذا صحيح وهو ما قاله في الإبانة، ولكن يبقى ما هو مذهب أهل السنة؟ هناك قولان أحدهما ما حكاه عن أهل السنة في المقالات ولم يذكر غيره، والثاني: أسماء الله: لله، لا يقال هي الله ولا غير الله، فأيهما قول أهل السنة؟

القول الأول الذي حكاه عنهم الأشعري هو قول طائفة من أهل السنة، وهو مذهب اللالكائي والبغوي في آخرين و القرطبي وأبي عبيدة معمر بن المثنى وهو أحد قولي الأشاعرة واختاره ابن فورك ().

والقول الثاني هو الذي عليه جماهير أهل السنة وفي مقدمتهم الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم وهو الصواب ()، وليس هنا موضع تفصيلها فراجع المصادر المشار إليها في الهامش.

فأنت ترى أن الأشعري هنا لم يذكر عن أهل السنة إلا أضعف القولين، وأقلهما أنصارا عند أهل السنة.

2. وقال فيه (1/ 349): ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى ... اهـ وأما في الإبانة فلم يذكر كفر الساحر فقال (ص 62): ونؤمن بأن في الدنيا سحرا وسحرة، وأن السحر كائن موجود في الدنيا اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير