الوجه الأول: أنه تقدم أن القول بأنهم في الجنة صح عن سلمان وذكر عنه ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 112)، ورواه المروزي في الرد على ابن قتيبة (أحكام أهل الذمة 2/ 99) من طريق سعيد بن أبي عروبة وأبي عوانه كلاهما عن قتادة عن أبي مراية العجلي عن سلمان أنه قال: ذراري المشركين خدم أهل الجنة، وفي لفظ: أطفال المشركين () واختاره البخاري، و ابن عبد البر في التمهيد، وعزاه في الاستذكار (3/ 110) للأكثر، كما عزاه ابن حزم للجمهور، فلا يكون لأهل السنة في المسألة إجماع، يؤيده الوجه الثاني:
الوجه الثاني: أنه أيضا قد تقدم أن القول بأنهم في النار قاله طائفة من أهل الحديث كما قال ابن تيمية في الفتاوى (4/ 303) وهذه لفظة تدل على أن جمعا من أهل السنة قالوا بذلك، فلا يكون لهم اتفاق على الامتحان، يؤيده أيضا:
الوجه الثالث: أنه اختلف في مراد من وقف عن الحكم كالحمادين ومن ذكر معهم، فقيل في تفسير قولهم أن الأطفال تحت المشيئة، فقيل: مرادهم هو:" أن أولاد الناس كلهم إذا ماتوا صغارا لم يبلغوا في مشيئة الله عز وجل يصيرهم إلى ما شاء من رحمة أو عذاب، وذلك كله عدل منه وهو أعلم بما كانوا عاملين " قاله ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 108) يؤيده أيضا:
الوجه الرابع: أن بعض أهل السنة نقل عنهم الامساك عن الكلام في المسألة والخوض فيها، واعتبر مذهبا مستقلا كما صنع الحافظ ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 102) فقال: المذهب التاسع: مذهب الإمساك، وهو ترك الكلام في المسألة نفيا وإثباتا بالكلية، وجعلها مما استأثر الله بعلمه وطوى معرفته عن الخلق ثم ذكر عن ابن عباس بسند صحيح تقدم في أول الكتاب، فكيف يقال مع ذلك إنهم أجمعوا على قول واحد هو الامتحان.
الوجه الخامس: أن في نقل الأشعري مذهب أهل السنة والحديث في مسألة الأطفال نوع اضطراب، وبيانه:
أنه قال في المقالات (1/ 349) وهو ينقل قول أهل السنة والحديث: وأن الأطفال أمرهم إلى الله: إن شاء عذبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد اهـ، وهذا يدل على أن مذهبهم فيما حكاه الأشعري هو المشيئة، وهو يوافق تفسير ابن عبد البر المتقدم في الوجه الثالث.
وقال في الإبانة (ص 63): وقولنا في أطفال المشركين: أن الله يؤجج لهم في الآخرة نارا، ثم يقول لهم اقتحموها كما جاءت بذلك الرواية اهـ. وهذا صريح في الامتحان ومخالف لما نقله في المقالات، وقد لاحظ هذا الاضطراب ابن القيم فقال في أحكام أهل الذمة (2/ 107) في الوجه الخامس: أن القول بموجبها هو قول أهل السنة والحديث كما حكاه الأشعري عنهم في المقالات، وحكى اتفاقهم عليه وإن كان قد اختار هو فيها أنهم مردودون إلى المشيئة، وهذا لا ينافى القول بامتحانهم، فإن ذلك هو موجب المشيئة اهـ.
قال أبو عبد الباري: الذي نقله الأشعري في المقالات هو الرد إلى المشيئة، وأنه يفعل بهم ما أراد، ليس فيه ذكر الامتحان ألبتة، وفرق بين كون الرد إلى المشيئة لا ينافي القول بالامتحان وبين كونهما قولا واحدا، وقد تقدم أن من العلماء من يفسر المشيئة بغير الامتحان، فلا يجزم مع ذلك أن أهل السنة اتفقوا على هذا التفسير، كيف وقد ذكر ابن القيم نفسه في الوجه السادس الذي يلي الخامس: أنه صح عن سلمان خلافه، وفي الوجه السابع أقر ما قاله ابن عبد البر من أن العلماء أنكروا أحاديث الامتحان ونازعه في التعميم وقال بل الأكثر قالوا بموجبها، وفي ذلك إقرار بأن بعض ما ذكره ابن عبد البر صحيح.
قال أبو عبد الباري: أبو الحسن الأشعري لا يلتزم في نقله اتفاق أهل السنة والحديث وإن كانت عباراته توهم ذلك، وقد اتضح ذلك من خلال تتبع نقولاته لا سيما في المقالات.
قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (7/ 35):
¥