تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفرقان: في هذا العصر الذي كثر فيه الكلام عمّا يسمى (حقوق الإنسان) تأخذ هذه القضية أهمية كبيرة، خاصة مع ما نراه من سوء استغلال لها من قبل الغرب، ومن كون كثير من المبادئ والقوانين المتعلقة بها من نتاج الفكر الغربي وقيمه المادية مقطوعة الصلة بالقيم الروحية والأخلاقية، والقرآن أصّل العلاقة بين الأخلاق وحقوق الإنسان، وفصّلت السنة ذلك قولاً وفعلاً وتطبيقاً. نرجو منكم إلقاء ضوء على معالم المنهج القرآني في العلاقة بين الأخلاق وحقوق الإنسان.

د. زمزمي: قضية حقوق الإنسان شغلت العالم اليوم، وهي قضية جديرة بالعناية وينبغي دراستها من وجهة النظر الشرعية؛ فتسلُّط العالم الغربي وفَرْض هيمنته الفكرية على كثير من دول العالم أدى إلى ضياع المفهوم الإسلامي لها، وأوجد انطباعاً لدى كثير من المسلمين بأنه لا طريق لنيل الحقوق إلا من خلال التبعية للعالم الغربي، والدخول ضمن أحلافه ومنظوماته. ومن جهة أخرى فإن مبادئ حقوق الإنسان السائدة في العالم أعدَّها وصاغها ساسة العالم الغربي؛ فهي نتاج ثقافته وأفكاره التي تقوم على أساس الحرية المطلقة غير المنضبطة، والتي أوجدت هوّة واسعة بين حقوق الإنسان المشروعة وبين الأخلاق الفاضلة، وجرى استغلال هذه القضية؛ فأصبحت حقوق الإنسان تُنتهك باسم حقوق الإنسان، وتحت راية من يتبنّاها!

وقد عُنِيَ القرآن بالجانب الأخلاقي عناية متميزة، والمتدبر للقرآن يمكنه أن يستخرج منهجاً أصيلاً للأخلاق في القرآن؛ فقد جاءت نصوص كثيرة تضمّنت ذكر قواعد تهدف إلى تنظيم علاقة الإنسان بغيره، وتبين ارتباط المنهج الأخلاقي بالعقيدة والعبادة والمعاملات. وأما (الخُلُق) بمعناه الاصطلاحي -أي السَّجِيَّة أو الهيئة الراسخة في النفس التي تصدر عنها الأفعال بسهولة- فقد ورد في آية واحدة فقط هي قوله تعالى: (وإنك لعلى خُلُق عظيم) (القلم:4)، وهي تحمل شهادة تزكية لخلق النبي صلى الله عليه وسلم، وتتضمن في طياتها هديه وسيرته وصفاته؛ فهي تتضمن المنهج الأخلاقي المتكامل لهذا الدين، خاصة وأن هذا "الخلق العظيم" هو القرآن الكريم، كما بيّنت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: "كان خلقه القرآن".

وفيما يتعلق بحقوق الإنسان فقد عُني القرآن بهذا المبدأ عناية متميزة؛ تأصيلاً لقواعده، وتأكيداً على وجوبه. ومن أبرز معالم تأصيل القرآن له: تكريم الله للإنسان (ولقد كرَّمنا بني آدم) (الإسراء:70)، وما أعطاه الله من حقوق وردت في آيات كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، ومنها الآيات الجامعة لجملة من الحقوق في سورة الإسراء بدءاً من قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ... إلخ) (الإسراء: 23 - 38). ومما يُؤصِّل لحقوق الإنسان كثرة الفئات التي راعى القرآن حقوقها كالنساء والأطفال وحتى الأعداء مع مخالفتهم لنا ديناً وعقيدة، فقد أعطاهم الله حقوقاً منها: الوفاء لهم بالعهود والمواثيق، والبر والإحسان إلى غير المقاتلين.

من هذا كله يظهر مدى الارتباط الوثيق بين الأخلاق وحقوق الإنسان في القرآن؛ فكلتا القضيتين جزء من الدين الإلهي والمنهج الرباني. وهذا له أثر كبير في الجانب التطبيقي؛ فالالتزام بالمنهج الأخلاقي الذي هو القرآن كله، يقتضي حتماً احترام حقوق الإنسان.

الفرقان: من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان قضية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. ما القول الوسط في هذه المسألة في ميزان القرآن؟

د. زمزمي: القضية الأساسية في هذا الجانب هي التشكيك في مسلَّمات الدين، أو عدم التسليم بحكم الله والرضا به. ولا شك أن أعداء الإسلام يريدون هدم هذه القضية (قضية الرجوع إلى هذا المنبع الأصيل)، وبالتالي تُفتعل قضايا مثل قضية تحرير المرأة وحريتها؛ ولذا -في نظري- قبل أن ندرس قضية المرأة أو ننساق خلف من يقول إن المرأة مقيّدة أو مكبّلة ينبغي أن نؤصّل هذه القضية: هل عندنا القبول المطلق لأمر الله وحكمه سواء في قضية المرأة أو غيرها؟! هذا أمر.

الأمر الثاني: هل هناك قضية في المجتمعات الإسلامية اسمها قضية المرأة؟! لقد عُنيتُ فترةً بدراسة هذه القضية، وخَلُصْتُ إلى أن كثيراً من المسلمين يغفلون عن سبب نشأتها في الغرب، ولماذا ظهر المذهب الذي يسمّونه بالمذهب الأنثوي؟ ثم لماذا يريد الغرب نقل هذه القضية إلى مجتمعاتنا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير