وقيل له هذه: هذه الأحاديث المصنوعة، فقال: يعيش لها الجهابذة، إنَّا نحن نزَّلنا الذكر، وإنَّا له لحافظون 0
ثم الواضعون للحديث أصناف بحسب ما يحملهم على الوضع:
منهم: الزنادقة قصدوا بوضعهم إضلال الناس، كعبد الكريم بن أبي العوجاء، وبيان 0
فالأول: أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي، والثاني: قتله خالد القسري 0
وروى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال: وضعت الزنادقة على رسول الله ? أربعة عشر ألف حديث 0
ومنهم: من وضع انتصارا لمذهبه كالرافضة 0
ومنهم: من وضع ما يوافق فعل الأمراء، أو آرائهم، كغياث بن إبراهيم وضع للمهدي في حديث " لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر " فزاد فيه: أو جناح 0 وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها بعد ذلك، وأمر بذبحها، وقال: أنا حملته على ذلك0
ومنهم: من كانوا يتكسبون به كأبي سعد المدايني 0 ومنهم غير ذلك عصمنا الله من الزلل 0
قال:
وذا نبذٌ من مُبْهَمِ الحبِّ فاعتبر وغامضُه إن رمتَ شرحاً أطولُ
أقول:
وقد اشتمل هذا البيت على ثلاث مسائل:
الأولى: مَنْ أبهم ذكره في الحديث، أو في الإسناد من الرجال والنساء
فمن ذلك حديث عائشة (رضي الله عنها):" أن امرأة سألت النبي ? عن غسلها من الحيض 0 قال: خذي فرصة من مسك فتطهَّري بها 000 " الحديث 0
فهذه المرأة المبهمة اسمها أسماء بنت شَكَلْ، وهو الصحيح لثبوت ذلك في بعض طرق الحديث في صحيح مسلم 0
الثانية: الإعتبار
وهو أن تأتي إلى الحديث لبعض الرواة، فتعتبره برواية غيره من الرواة، بسبر طرق الحديث، لتعرف هل شاركه في ذلك غيره، فرواه عن شيخه أم لا، فإن كان شاركه أحد ممن يخرج حديثه للاعتبار به والاستشهاد، فيسمى ذلك الحديث تابعا 0
وإن لم تجد أحدا تابعه عليه عن شيخه، فانظر هل تابع أحد شيخ شيخه فرواه متابعا له، أم لا، فإن وجدت أحدا تابع شيخ شيخه فرواه كما رواه فسمّه أيضا تابعا، وقد يسمونه شاهدا 0
وإن لم تجد فافعل ذلك فيمن فوقه إلى آخر الإسناد، حتى في الصحابي، فكل من وجد له متابع فسمه تابعا، وقد يسمونه شاهدا، فإن لم تجد لأحد ممن فوقه متابعا عليه فانظر هل أتى بمعناه حديث آخر في الباب أم لا؟ فإن أتى بمعناه حديث آخر فسمِّ ذلك الحديث شاهدا، وإن لا فقد عدمت المتابعات والشواهد فالحديث إذا فرد 0
الثالثة: الغامض
وذلك كحديث رواه النسائي من رواية قاسم بن محمد، عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: " أصاب النبي ? بعض نسائه، ثم نام حتى أصبح 000 " الحديث 0 فإن القاسم لم يدرك ابن مسعود (رضي الله عنه) 0
قال:
عزيزٌ بكم صَبٌّ ذليلٌ لعزِّكم ومشهورٌ أوصافُ المحبِّ التذللُ
غريبٌ يقاسي البعدَ عنك وما لهَ وحقِّكَ من دارِ القِلى مُتَحوَّلُ
أقول: وقد اشتمل هذان البيتان على مسائل:
الغريب:
وهو الحديث الذي يتفرد به بعض الرواة، أو الحديث الذي ينفرد فيه بعضهم، بأمر لا يشركه فيه غيره، أما في متنه وأما في إسناده، قاله الحاكم 0
وقال ابن منده: الغريب كحديث الزهري، وقتادة، وغيرهما، ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث، يسمى غريبا 0
فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة، واشتركوا يسمى عزيزا 0
فإذا رواه الجماعة عنهم حديثا يسمى مشهورا، وكذا قال محمد بن طاهر المقدسي 0
قال:
فرفقاً بمقطوعِ الوسائلِِِِِِِِ ما لَهُ إليكَ سبيلٌ لا ولا عنكَ معْدِلُ
أقول: اشتمل هذا البيت على مسألة وهي المقطوع
وهو الموقوف على التابعي 0ويجمع على المقاطع والمقاطيع 0 وعبر به عن المنقطع، كما وجد في كلام الشافعي (رحمه الله)، وكلام أبي القاسم الطبراني، وأبي بكر الحميدي، وأبي الحسن الدارقطني 0
وجعل الحافظ أبو بكر البرديجي المنقطع قول التابعي 0
قال:
قد زلتَ في عزٍّ منيعٍ ورفعةٍ ولا زلتَ تعلو بالتجني فأنزلُ
أقول: الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة مؤكّدة 0
عن عبد الله بن المبارك (رضي الله عنه) قال: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء 0
¥