تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قيل " الصاحب ساحب "، و " الطبع يسرق من الطبع "، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان / 27 – 29].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أحمد (8212)، والترمذي (2378)، وأبو داود (4833)، وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (927).

قال ابن حبان - رحمه الله -:

العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة السوء قطعة من النار، تُعقب الضغائن، لا يستقيم ودُّه، ولا يفي بعهدِه.

وقال ابن القيم:

ومتى رأيت نفسك تهرب من الأنس به إلى الأنس بالخلق ومن الخلوة مع الله إلى الخلوة مع الأغيار فاعلم أنك لا تصلح له. " بدائع الفوائد " (3/ 743).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -:

وبالجملة: فمصاحبة الأشرار مُضرة من جميع الوجوه على مَن صاحبهم وشرٌّ على من خالطهم، فكم هلك بسببهم أقوام، وكم أقادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون ".

وقال أبو الأسود الدؤلي - رحمه الله -: " ما خلق الله خلقاً أضر من الصاحب السوء ".

أسباب وطرق تليين القلوب والبكاء من خشية الله

ويستطيع المسلم أن يليِّن قلبه ويدمع عينه بما يسمع ويقرأ ويرى؛ وذلك - بعد توفيق الله تعالى – بالبحث عن الأسباب الموصلة لذلك، وبقراءة سير السلف الصالح ومعرفة أحوالهم في هذا الأمر، وسنذكر ما تيسر من الأمرين – الأسباب والأحوال - لعلَّ الله أن ينفع بها، ومن ذلك:

1. معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله.

فمن عرف الله خافه ورجاه، ومن خافه ورجاه رق قلبه ودمعت عينه، ومن جهل ربه قسى قلبه وقحطت عينه.

ومقامات الإيمان: الحب، والخوف، والرجاء، وكل أولئك تدعو المسلم للبكاء.

قال أبو سليمان الداراني - كما ذكر عنه ابن كثير في ترجمته في " البداية والنهاية " (10/ 256): لكل شيء علَم وعلَم الخُذلان: ترك البكاء من خشية الله.

فإذا خذل الله العبد: سلبه هذه الخصلة المباركة، وصار شقيّاً قاسي القلب وجامد العين.

فالمحب يبكي شوقاً لمحبوبه والخائف يبكي من فراقه وخشيت فراقه والراجي يبكي لحصول مطلوبه فإذا أحببت الله دعاك حبُّه للبكاء شوقاً له، وإذا خفت منه دعاك خوفُه للبكاء من خشيته وعقابه، وإذا رجوته دعاك رجاؤه للبكاء طمعاً في رضوانه وثوابه.

وإلى هذه الأمور الثلاثة - الحب، والخوف، والرجاء - أشار نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عيه وسلم قال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ... ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " رواه البخاري (629)، ومسلم (1031).

ومعنى " ذكر الله " خائفاً أو محبّاً أو راجياً، فإذا اتصف المسلم بهذا فهو سعيد وإلا فهو مخذول.

2. قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته.

قال الله تعالى - في وصف عباده العلماء الصالحين -: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً. وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:107 - 109].

قال الطبري عند الكلام على هذه الآية: يقول تعالى ذكره: ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين , من قبل نزول الفرقان , إذا يتلى عليه القرآن لأذقانهم يبكون , ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا , يعني خضوعا لأمر الله وطاعته استكانة له.

" تفسير الطبري " (15/ 181).

وقال القرطبي: هذا مدح لهم , وحق لكل من توسم بالعلم , وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة , فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل.

" تفسير القرطبي " (10/ 341).

{من قبله} أي: من قَبل النبي صلى الله عليه وسلم، ويبكون عند سماع ما نزل عليهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير