ستبصر إن وردت عليه عفواً * وتلقى سيداً ملكاً قديرا
تعض ندامة كفيك مما * تركت مخافة النار الشرورا
فقلت: ويحك! بمثل هذا الحال تعظني بهذه الموعظة؟
فقال: اسكت، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).
وقد تقدم بهذا الإسناد عنه: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)).
وقال الربيع وغيره: عن الشافعي، قال: دخلنا على أبي نواس في اليوم الذي مات فيه وهو يجود بنفسه، فقلنا: ما أعددت لهذا اليوم؟ (ج/ص: 10/ 255)
فأنشأ يقول:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
ومازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل * تجود وتعفو منَّة وتكرُّما
ولولاك لم يقدر لإبليس عابد * وكيف وقد أغوى صفيك آدما
رواه ابن عساكر.
وروى أنهم وجدوا عند رأسه رقعه مكتوباً فيها بخطه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن * فمن الذي يرجو المسيء المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا * وجميل عفوك ثم أني مسلم
وقال يوسف بن الداية: دخلت عليه وهو في السياق.
فقلت: كيف تجدك؟
فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال:
دب في الفناء سفلاً وعلواً * وأراني أموت عضواً فعضواً
ليس يمضي من لحظة بي إلا * نقصتني بمرها في جزواً
ذهبت جدتي بلذة عيشي * وتذكرت طاعة الله نضواً
قد أسأنا كل الإساءة فاللـ * ـهم صفحاً عنَّا وغفراً وعفواً
ثم مات من ساعته سامحنا الله وإياه آمين.
وقد كان نقش خاتمه: لا إله إلا الله مخلصاً، فأوصى أن يجعل في فمه إذا غسلوه ففعلوا به ذلك.
ولما مات لم يجدوا له من المال سوى ثلثمائة درهم وثيابه وأثاثه، وقد كانت وفاته في هذه السنة ببغداد ودفن في مقابر الشونيزي في تل اليهود.
وله خمسون سنة.
وقيل: ستون سنة.
وقيل: تسع وخمسون سنة.
وقد رآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟
فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس:
تفكر في نبات الأرض وانظر * إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات * بأبصار هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات * بأن الله ليس له شريك
وفي رواية عنه أنه قال: غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثيرة * فلقد علمت أن عفوك أعظم
الأبيات. وقد تقدمت. (ج/ص: 10/ 256)
وفي رواية لابن عساكر قال بعضهم: رأيته في المنام في هيئة حسنة ونعمة عظيمة فقلت له: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي.
قلت: بماذا وقد كنت مخلطاً على نفسك؟
فقال: جاء ذات ليلة رجل صالح إلى المقابر فبسط رداءه وصلى ركعتين قرأ فيها ألفي قل هو الله أحد، ثم أهدى ثواب ذلك لأهل تلك المقابر فدخلت أنا في جملتهم، فغفر الله لي.
وقال ابن خلكان: أول شعر قاله أبو نواس لما صحب أبا أسامة والبة بن الحباب:
حامل الهوى تعب يستخفه الطرب * إن بكى يحق له ليس ما به لعب
تضحكين لاهية والمحب ينتحب * تعجبين من سقمي صحتي هي العجب
وقال المأمون: ما أحسن قوله:
وما الناس إلا هالك وابن هالك * وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في لباس صديق
قال ابن خلكان: وما أشد رجاءه بربه حيث يقول:
تحمل ما استطعت من الخطايا * فإنك لاقياً رباً غفورا
ستبصر إن قدمت عليه عفواً * وتلقى سيداً ملكاً كبيرا
تعض ندامة كفيك مما * تركت مخافة النار الشرورا
ـ[عبدالله]ــــــــ[09 - 08 - 2003, 07:24 م]ـ
جازك الله كل الخير أخي خالد على هذه المقتطفات الطيبة