اعتبر بعض النقاد ان ادوارد فيتزجيرالد (1809 ــ 1883) من أهم الشعراء الانجليز في القرن التاسع عشر, ليس لانه كتب شعراً, وانما لانه ترجم رباعيات الخيام بلغة شعرية عالية, توازي اللغة الشعرية الفخمة في الشعر الكلاسيكي الانجليزي في العصر الفيكتوري وما قبله.
كان فيتزجيرالد تخرج من جامعة كامبرج, وجمعته علاقة صداقة مع الشاعر الانجليزي لورد تنيسون والمؤرخ الفيلسوف توماس كارليل, وكان تنيسون قد كتب في تلك الفترة أهم قصائده (الذكرى) , ولكنها لم تجذب انتباه القراء والكتاب كما فعلت رباعيات الخيام.
نشر فيتز جيرالد أعمالاً متفرقة, منها ست مسرحيات للكاتب الاسباني كالديرون قبل ان يتجه إلى الدراسات الشرقية, ويترجم مجموعة من رباعيات الخيام وينشرها دون ان يذكر اسم المترجم, في عام 1859, وظلت هذه الرباعيات مهملة, تباع بسعر زهيد, لدى الناشر اللندني كارتش, لاتثير انتباه احد حتى اكتشفها الشاعران دانتي جابرييل روزيتي وصديقه الجرينون سوينبورن, واشتريا ماتبقى من النسخ لتقديمها كهدايا إلى الاصدقاء, وكان ذلك في عام 1860, وهو العام الذي شهد نشر كتاب (اصل الأنواع) لداروين, وبداية الانفتاح على الافكار الجديدة والثقافات الاخرى في بريطانيا,
وكان للدعاية التي بثها روزيتي وسوينبورن اثر سريع وواضح على اهتمام القراء بالرباعيات وتوالي طبعاتها المنقحة مع مقدمة موسعة للمترجم عن عمر الخيام وحياته وعصره, وهو العصر الذي يهتم الاوروبيون بدراسته لانه ارتبط بالحروب الصليبية والصراعات في الشرق, وكان توماس هايد استاذ اللغات الشرقية في جامعة اكسفورد قد ترجم الرباعيات إلى الانجليزية قبل فيتز جيرالد, ولكن ترجمته لم تثر اهتمام عامة الناس.
وقد نشر فيتزجيرالد ترجمته بأسلوبين مختلفين: احدهما كان الترجمة النثرية الحرفية التي التزمت بالمضمون الدقيق للنص وافكاره وصوره, والثاني كان الترجمة الشعرية التي ترصد المضمون وتضعه في قالب الشعر الانجليزي الكلاسيكي المألوف الذي يميل إلى الفخامة والبلاغة والغنائية العالية, ويمكن للقارىء ان يختار من هذين النصين ما يريد, لان النص الشعري لا يخلو من التصرف احياناً, بضرورة الشعر, كما يقولون, وكان عدد الرباعيات في ترجمة فيتزجيرالد مئة وخمس رباعيات.
حكايات عن الخيام
ارتبطت بعبقرية الخيام حكايات نادرة حدثت معه أو بعد وفاته, وقد التقط الباحثون بعضاً من هذه الحكايات, ومنها:
ـ اجتمع ثلاثة من الطلاب الدارسين لدى الامام موفق الدين النيسابوري في جامعة خراسان وهم عمر الخيام ونظام الملك والحسن بن الصباح, وكانوا يراجعون دروسهم في غرفة خاصة, وهم يدرسون العلوم الدينية واللغة والهندسة والرياضيات والمنطق والعلوم واللغة الاغريقية والفلك.
وفي احد الايام قال الحسن ابن الصباح: دعونا نتعاهد على ان من يصل إلى الوزارة من بيننا نحن الثلاثة يساعد صديقيه الآخرين على الوصول إلى المراكز العالية.
ومرت الايام وصار نظام الملك وزيراً في بلاط الب شاه, فزاره الصديقان القديمان عمر الخيام والحسن بن الصباح, ولكن الخيام لم يطلب مركزاً في البلاط, ولكنه كان يريد الاهتمام بأعماله العلمية, فلبى له نظام الملك رغبته وحدد له منحة سنوية بألف ومئتي مثقال ذهبي, اما الحسن بن الصباح فقد حاول منافسة الوزير لدى السلطان, لكن المنافسة انتهت بخصومة شديدة, ثم هرب الحسن, وتحول بعد ذلك إلى قائد مشهور من قادة فرقة الحشاشين التي نظمت حملة من الاغتيالات السرية المنظمة للخصوم.
وكان احد ضحاياها الوزير نظام الملك نفسه, بينما كان الحسن بن الصباح يحتل (قلعة الموت) ويذكر فيتزجيرالد في مقدمته للرباعيات ان نظام الملك كان قد اعتاد ان يردد في حياته بعض العبارات من رباعيات صديقه الخيام, وكانت آخر كلماته عند اغتياله, وقبل ان يلفظ انفاسه الأخيرة: (يا الهي (انني امضي في قبضة الريح) وقد استعار هذا القول من الشطر الرابع من رباعية الخيام التي يقول فيها:
(جئت كالماء وكالريح أمضي).
¥